الأربعاء، ديسمبر 13، 2006

السلفية مرة ثالثة

في خبر جاذب للإنتباه على موقع الجزيرة يدعو علماء و مثقفون سعوديون إلى دعم أهل السنة في العراق ضد الشيعة
وصلة الخبر :
و في متن الخبر تجد مسميات غليظة من عينة ( الروافض ، الصفويون ، الشيعة .. ) و في المقابل في تعليقات القراء تجد الرد حاضر ( الوهابيون ، النواصب ، السلفيون ، السنة .. ) و هكذا .. بالطبع لا يخفى على طفل صغير يتابع الحراك السياسي العربي طبيعة الصراع الأزلي بين السعودية و إيران منذ حرب العراق و إيران و حتى الآن و التصفيات الطائفية في العراق و اللتي لا تفرق بين شيعي و سني و مسيحي و غيرهم
ما زالت المملكة العربية السعودية تعيش في العصور الوسطى بل تعيش في عصور ما قبل التاريخ و كذلك علمائها الأفاضل فلم تؤثر الحداثة و دولة المؤسسات و ينابيع النفط اللتي لا تنضب و أنهار الأموال الجارية و قنوات الـ sex العربية لأصحابها من أمراء المملكة الغراء .. لم يؤثر رفض غالبية العلماء لفتاوى علماء السلفية .. لم يؤثر تمرد عامة المسلمين على فتوى بن جبرين المشهورة بتحريم الدعاء أو نصرة حزب الله على اليهود .. لم تؤثر فضيحة صفقة الأسلحة البريطانية و الرشاوى و العمولات .. كل مستحدثات العصر و مقوماته لم تثر في الوجدان القبلي البدوي السعودي شيئاً و لم تغير نظرته المقيتة للعالم فما زالت السعودية تنظر لإيران نظرة الطائفية و المذهبية
من الواجبات الأساسية على المسلم إحترام علماء الدين و لكن ماذا لو وضع العلماء أنفسهم في غير موضع الإحترام ؟ و ماذا يفعل المسلم حيال ذلك ؟
إن نظرة سريعة على حوارات المنتديات العربية تشي بحال العرب المتردي إلى الهاوية فالصراع في العراق تحول على المنتديات إلى صراع طائفي مذهبي .. السني يتعصب لمذهبه منتقداً الشيعي و الشيعي يبادله نفس الدور و يرتكن الجميع إلى الوضع في العراق
و لكن هل النظرة السعودية للعراق حريصة فقط على أهل السنة هناك أم أن لها أبعاداً سياسية أخرى ؟
لا شك أن بعض العلماء تحركهم السلطة لا سيما في السعودية فقد أتحفونا بفتوى تحرم مقاومة الأمريكان في العراق ثم تلتها فتوى تبيح جهاد المحتل الغاصب و يتم صناعة الفتاوى في السعودية حسب الطلب السياسي و لا يهم تأثيرها أو إنعكاساتها على التابعين المخلصين و اللذين يظنون بالعلماء حسن الظن
بينما أصبح الدين و شريعة الله عُرضة للنقاش و الجدال و الإعتراض من المثقفين و الفنانين أتى من يهاجم هؤلاء المتشدقين بالدين دونما علم به و الآن و نحن نستمع لعلماء من أطهر بقاع الأرض ، أرض الرسالة .. أرض تحمل على سطحها الكعبة المشرفة و قبر الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم .. أرض يقصدها طوال أيام السنة آلاف من المسلمين للحج أو للعمرة .. هؤلاء العلماء لا يقيمون للسلف الصالح وزناً رغم رفعهم شعار السلفية .. و لا يعتبرون بآراء الأئمة الأربعة و يقولون هم رجال و نحن رجال .. لذلك خرجت من بين أناملهم فتاوى مهدت لاقتلاع الإسلام من جذوره على أيدي الأمريكان و الأوروبيين .. فتاواهم اللتي أنجبت أسامة بن لادن و الزرقاوي و جماعات التكفير و الجهاد و نتج عنها 11 سبتمبر أو هكذا قيل .. و هكذا ألبت فتاواهم العالم كله على الإسلام و من يعتنقه رغم أن المشكلة أبداً لم تكن في الدين بل فيمن يعتنقه و يعمل به و يوظفه لخدمة غرض شخصي أو قضية قومية في حين لم يكن للدين وزراً و لا دوراً في قتل الأبرياء و ترويع الآمنين و سفك دماء المدنيين بما فيهم من نساء و أطفال و شيوخ و عجزة
لقد خرج التشدد إن لم يكن الإرهاب من قلب الجزيرة العربية رغم ثرائها المادي و لعل الثراء كان دافعاً للقتل و لم يكن دافعاً للعلم و التعلم
أقول لهؤلاء المثقفون و العلماء أفيقوا و انهضوا من غفوتكم بل غيبوبتكم اللتي دخلتموها منذ قرون و تأبون الإفاقة فها هو العالم يتقدم و يتعلم و يرتقي و أنتم تبتاعون الحضارة بنقودكم لا تولون صنعها اهتماماً فقط تشترون و لا تبالون .. أقول لهم إن إيران اللتي تصمونها بالشيعية و كأنها وصمة عار قد توصلت لتخصيب اليورانيوم و ستتوصل حتماً للسلاح النووي و أنتم تزجون إوار نيران الفتنة اللتي ستأكلكم في النهاية فما بين متشدديكم و ما بين السلطات ما صنع الحداد و ما أنتج نافخ الكير من سعير ، و ها هو حزب الله اللذي حرمتم مجرد الدعاء له يهزم إسرائيل اللتي تستبيح أعراض العرب بلا حسيب و لا رقيب فأين أموالكم من هذا .. أين نفطكم و حصائل سياحة الحج و العمرة أين مساعداتكم للمسلمين يا أهل الحرمين الشريفين ؟
سادتي العلماء إننا في زمن العلم و التقدم .. نحن نحيا في عالم تحكمه دساتير و قوانين لم تستق موادها لا من القرآن و لا من السنة و هو واقع الحال للأسف فلنتعايش مع واقعنا و نتأقلم معه فرفضنا له لن يزيدنا إلا خسراناً و دماءاً زكية تسفك على خلفية الجهاد .. ليس للفوارق المذهبية أي تأثير في أنظمتنا الدولية فحتى مملكتكم السعودية تنصلت من ألقاب أرضها المباركة و حولتها إلى ملكية خاصة لآل سعود و تنازلت عن الخلافة و الحكم الإسلامي و حولته إلى مملكة فإن كنتم مصلحين فلتصلحوا ذات بينكم قبل أن تصلحوا غيركم و الأفضل ألا تراقبوا أخطاء العالمين و لكن تطلعوا لتفوقهم و حاكوه لعلكم ذات يوم تذكرون على صفحة ذهبية من صفحات التاريخ بدلاً من ذكركم في عناوين صفحات جرائم التاريخ

الاثنين، ديسمبر 11، 2006

السلام مع إسرائيل .. وسيلة أم غاية ؟ ..الجزء الثاني

خلصنا من الجزء الأول إلى أن الطريق لإنشاء و إعلان دولة إسرائيل كان مفعماً بالتدمير و الإكراه و الإستعمار و طرد أو تغريب أصحاب الأرض الأصليين رغم أني لا أعترف بمبدأ أصحاب أي أرض حيث أن أرض الله ملكاً له و ليست لأحد .. و لو وضعنا مبدأ أصحاب الأرض في الإعتبار سنعود بالتاريخ إلى حيث بدأ و قد لا نجد لأنفسنا أرضاً نعيش عليها
و بطبيعة الحال فإن غرس اليهود بين الشعوب العربية بهذا الشكل و كذلك العقيدة اليهودية و اللتي منحتهم نوعاً من الصلابة في توجهاتهم نحو الإقامة الدائمة على أرض فلسطين .. هذه الطريقة جعلت من اليهود جسماً غريباً يتسلل إلى الجسد العربي و يواجه كل أنواع الدفاع لطرده أو القضاء عليه ، و لا معنى عند العرب لوجود دولة إسرائيل و لا اعتراف الأمم المتحدة بها فكل هذا مجرد شكليات لا تسمن و لا تغني من جوع و لكن جوهر المشكلة ما زال قائماً حيث يقاوم الجسد العربي هذا الجسم الغريب بكل ما يمتلك من وسائل دفاع ، و لكن هل نجحت المناعة العربية في القضاء على الجرثومة أم تغلبت الجرثومة على مقاومة الجسد العربي ؟
الواقع يقول أن الصراع ما زال قائماً و إن كان يتجه نحو تغلب الجرثومة على المناعة العربية بشكل شبه محتوم و لكن قد ينجلي هذا المحتوم بتغيير أطراف المعادلة و من يدري .. فقد تنهار الإمبراطورية الأمريكية فجأة كما إنهارت القيصرية السوفييتية فجأة و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين
و لكن عين الحال تجبرنا على تحليل الواقع لإيجاد أقصى فائدة ممكنة منه .. و كبداية يجب علينا أولاً قبول العزاء في القوميات العربية سواء كانت قومية إسلامية أو فقط عربية أو جغرافية أو حتى معنوية فكلها زالت و انتهت من على أرض الواقع و وجب علينا أيضاً النداء للشعب الفلسطيني و إخباره أنه كان و ما زال و سيظل وحيداً في المواجهة و لا ينتظر من جار عربي قريب كان أو بعيد التعاون اللذي يأمله ، كذلك الشعب العراقي و اللبناني و كافة الشعوب اللتي تعاني من مشكلات إقليمية تستدعي التآخي و لم الشمل العربي .. كلكم عليكم بأنفسكم و فقط أنفسكم فلن تجدوا ما تنتظروا من العرب .. و لا لوم على أي زعيم أو ملك أو أمير عربي في وحدويته و إيثاره لوطنه - أو لنفسه - على الجميع فقد تغير الزمن و تغير الوجدان الإنساني في كافة أنحاء المعمورة .. فقد تركت ثقافات المادية و الماركسية و العلمانية بصماتها السوداء على عقول الكثيرين و تركت لأهم مؤثر في رأيي و هو ( قوة الضعف ) موروث من التراكيب المنطقية لسياسة العالم و توجيهة
و قوة الضعف تتلخص في التأثير على الآخرين بأشكال غير مألوفة لهم من الثقافات .. فاليوم تنتشر غرائب العادات المستوردة في الوطن العربي دون النظر إلى مردودها المستقبلي و آثارها .. تنتشر ثقافات الوجبات السريعة كمطاعم و كسلوك منزلي .. تنتشر ثقافات الإستقلالية و إنكار دور الأسرة في التوجيه .. تنتشر ثقافات العري و السفور و مواجهة الهجوم على ذلك بممارسة الحرية الشخصية .. و الحرية اليوم كلمة إذا ذكرت تقترن بالحضارة و التقدم و بالتبعية فكل من ينكر الحرية في ثوبها الحالي هو رجعي و متخلف و الكثير من الثقافات المشابهة و المستوردة ليس من أمريكا فقط فأمريكا مجرد متأثر بهذه البصمات و لكن من جميع أنحاء العالم الغارق حتى أذنيه في المادية
و حتى لا نخرج عن سياق الموضوع فقد توقفنا عند رؤيتنا الإستقرائية للمصير المحتوم لما أسميناه بالجرثومة الدخيلة على الجسد العربي و هو السلام معها و ليبق الوضع على ما هو عليه حيث تبقى الجرثومة في الجسد دون مقاومة و يبقى الجسد عليلاً دون دفاع .. و هو الوضع اللذي يفرضه علينا الواقع الحالي و لو مؤقتاً فكوننا نواجه شرور هذا الدخيل و من يسانده ليس بالأمر المحبذ لولا فرقتنا ..
و لكن أهم سؤال في هذا الخضم هو هل السلام مع إسرائيل غاية ؟؟ ... في الواقع لا تبدو للدولة العبرية أي ميزة ترفع قليلاً من جاذبيتها لتجمع حولها خاطبي الود و بغض النظر عن الحقائق التاريخية فهي دولة عنصرية من الدرجة الأولى قامت في الأساس على فكرة أيديولوجية خرجت من دين محرف و صدقها و آمن بها كل تابعيه .. و من نفس الدين المحرف تنطلق العنصرية بشكل صارخ لتعلن أن اليهود هم أنقى و أرقى البشر على وجه الأرض لا سيما الإسرائيليين منهم فغير الإسرائيليين ليسوا من الجنس السامي و بالتالي فهم دخلاء على اليهودية
و يبرز هنا تساؤل .. رغم أن اليهودية هي أقدم الديانات الموجودة حالياً أي أن تاريخها زمنياً طويل جداً مما يعني منطقياً تفوق عدد أتباعها على الديانات التالية لها تاريخياً .. فهم يتناسلون كما يتناسل الآخرون و بالتالي فإن المفترض أن يكون عدد اليهود أكبر من عدد المسيحيين و عدد المسلمين .. و لكن الواقع يخبرنا و لا يخلو صوته من الدهشة أن عدد اليهود اليوم لا يتجاوز الخمسة عشر مليوناً .. في حين عدد المسلمين قارب من مليارين أي ثلث سكان العالم ! . و هذا يعني أن معتنقي اليهودية يتناقصون فلماذا ؟؟؟؟؟؟
و بالعودة للسياق مرة أخرى نعود للبحث عن مميزات الدولة العبرية و اللتي من أجلها قد يفكر البعض في عقد سلام عن تراضي معها .. و هو الأمر اللذي يشق علينا كثيراً فبعد تفكير لم أجد للدولة العبرية ما يمكن أن يقال عليه ميزة تسيل لعاب العرب للسلام معها فهي دولة عنصرية كما أسلفنا و مجتمعها يعاني من هذه العنصرية حتى بين أفراده اليهود أنفسهم .. و في مجال التقدم ليست إسرائيل الدولة الأولى تقدماً في العالم اللهم إلا في السموم و الإغتيالات السياسية و العلوم الأمنية و المخابراتية و كل هذا ناتج عن خبرات طويلة في أقصر الطرق للتخلص من العدو و ليس تحويله إلى صديق !
إذن فالسلام مع إسرائيل ليس غاية .. يبقى أن يكون وسيلة .. و هو كذلك بالفعل فمصر لم تسالم إسرائيل إلا من أجل استعادة أراضيها و حقن دماء أبنائها و الأردن سالمت إسرائيل فقط من أجل الخروج من المعادلة فلتعيش إسرائيل في أي أرض تشاء و لتعيش الأردن بعيداً عن صفاقة إسرائيل
و اليوم تبادر السعودية بمقترح سلام مع إسرائيل يجمع معظم الدول العربية في مقابل العودة إلى حدود 67 الفلسطينية و سبحان مغير الأحوال فقد تنازل العرب أو قل الفلسطينيين عن أراضي 48 و هي كل أرض فلسطين و اللتي عليها الآن دولة إسرائيل و بقى العرب في جدال عقيم حول ترسيم حدود 67 و هي تساوي 40 % فقط من أرض فلسطين و قد تتوالى التنازلات فلا عودة للمهجرين الفلسطينيين و لا حق لهم في القدس و قد تتقلص الـ 40 % مستقبلاً أو تختفي
طبيعة الوضع على أرض الواقع تختلف بشكل جذري عن طبيعته على الكي بورد حيث أسجل هذا الموضوع ولكن .. أرى أن الدولة العبرية تعاني الغياب عن الوعي السياسي فلا ترى إلا تحت قدميها و تعتبر أن الوضع السياسي العالمي الحالي وضع مؤبد و هو المحال بعينه فعندما تفقد إسرائيل سندها الوحيد سواء بإنهياره أو بتخليه عنها لن تجد لليهود على الأراضي العربية ديارا .. و قد تتكرر مأساة الهولوكست المزعومة مرة أخرى و لكنها هذه المرة ستقضي على اليهود عن بكرة أبيهم
إسرائيل تقامر اليوم بمصيرها في الوجود غداً و تجعل من استمراريتها تحت ظلال السلام مع العرب ضرباً من المستحيل إذا ما استوحدت في هذا العالم و لا أستبعد أن تكون أوروباً و روسياً أول الطاعنين فيها
و في النهاية فإن السلام مع إسرائيل ليس إلا مجرد وسيلة للعيش فقط سواء للشعوب أو للرؤساء و الغد اللذي يحمل ضعف الأعداء ( و ليس قوتنا ) يحمل معه أيضاً نهاية قاتمة للوجود اليهودي في هذا العالم

الخميس، ديسمبر 07، 2006

السلام مع إسرائيل .. وسيلة أم غاية ؟ ..الجزء الأول

إسرائيل دولة يهودية معلنة عن أيديولوجيتها بكل وضوح و تتبني الفكرة الصهيونية كمرجع أساسي لسياساتها المستقبلية و تتلخص الفكرة الصهيونية في أن لليهود حقوقاً لابد من إسترجاعها في أراضي عربية كثيرة بداية من العراق ( بابل ) مسقط رأس أبو الأنبياء و جد النبي إسرائيل ( يعقوب عليه السلام ) و مروراً بأرض الحجاز ( المملكة العربية السعودية ) و مقام جد نبي الله إسرائيل ( مقام إبراهيم ) و كذلك فلسطين ( أرض كنعان ) و اللتي استوطنها نبي الله داوود و من بعده ابنه سليمان حيث بنى الهيكل ، و كذلك اليمن حيث كانت مملكة سبأ و اللتي أسلمت على يد نبي الله سليمان ثم مصر حيث أقام نبي الله يوسف و من بعده نبي الله موسى و سيناء حيث ابتلى الله قوم إسرائيل بالتيه و انتهاءاً ببيت لحم مرة أخرى حيث ميلاد المسيح عليه و على نبينا الصلاة و السلام .. و تتبني الصهيونية فكرة إسترجاع هذه الأراضي بإعتبارها مجتمعة أرض الميعاد حيث تقول التوراة أن الله عز و جل قد وعد بني إسرائيل بظهور ( الماشيح ) المسيح في آخر الزمان و جمع شتاتهم في الأراضي اللتي عاشوا عليها و مركزها يقع بجوار جبل صهيون في القدس حيث الهيكل اللذي بناه نبي الله سليمان
و لكن اليهود يسقطون من حسابهم أرض الحجاز إما مؤقتاً حيث لا قبل لهم بمواجهة المسلمين و إما نهائياً فقد يكونوا قد تنازلوا عن هذه البقعة الهامة بالنسبة لهم بسبب يأسهم من الحصول عليها بطبيعة الحال
و قد ولدت الصهيونية كفكرة في عام 1897 متأثرة بظهور شعور الكراهية الأوروبي للجنس السامي حيث كان اليهود في أوروبا يعتاشون من الأنشطة الربوية و تمويل المشروعات و رهن العقارات و غيرها من المجالات المالية فيما كان القليل النادر منهم من أصحاب الحرف أو المتعلمين فقد كان حاخاماتهم يحرمون التعلم بغير التوراة
و لكن شعور الكراهية الأوروبي لليهود لم يثمر تهجيرهم إلى بقعة بعينها من العالم فقد كانت المستعمرات البريطانية لا تغرب عنه الشمس و في ذات الوقت كانت أرض فلسطين مستعمرة عثمانية أو قل أرض عثمانية و هكذا اتجه الفكر الأوروبي الهادف إلى التخلص من اليهود إلى مناطق مثل الأرجنتين كونها مستعمرة بريطانية أو كينيا في أفريقيا و لكن تيودور هرتزل الصحفي النمساوي اليهودي و الناشط الصهيوني و الداعي الأول لإقامة دولة يهودية على أرضهم التاريخية أبى إلا أن تكون الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين و رغم رفض الإمبراطورية العثمانية لهذه الهجرة إلا أن حلول عام 1918 حيث تفككت الإمبراطورية العثمانية كان كفيلاً بتغيير أطراف المعادلة فقد وقعت فلسطين تحت الإنتداب البريطاني و أصبحت مجالاً خصباً لتهجير اليهود إليها و رغم إعتراض العرب الفلسطينيين على الهجرة المنظمة من يهود أوروبا إلى أرض فلسطين إلا أن اليهود استطاعوا تكوين الصندوق القومي اليهودي في عام 1901 ثم البنك الأنجلو فلسطيني في عام 1903 و بالطبع فقد تكونت ميليشيات يهودية مسلحة على أرض فلسطين من أجل ردع العرب عن مهاجمة المستوطنين الجدد .. و لم تلبث أن أعلنت دولة إسرائيل بعدما أعلنت القوات البريطانية نيتها الإنسحاب من فلسطين في العام 1947 وفي 29 نوفمبر من نفس العام، أعلن مجلس الأمن عن تقسيمه لفلسطين لتصبح فلسطين دولتين، الأولى عربية والثانية يهودية و قد اندلع حينئذٍ القتال بين العرب و اليهود و لكن القادة اليهود لم يتركوا الفرصة ليعلنوا قيام دولة إسرائيل في 14 مايو 1948 ثم أخذت الميليشيات اليهودية في تجميع أطرافها لتكون في النهاية قوة دفاع إسرائيل
و قد كان للرئيس الأمريكي هاري ترومان الفضل الأكبر في الضغط على عصبة الأمم ( الأمم المتحدة ) للإعتراف بدولة إسرائيل
و هكذا لم يخل الطريق إلى قيام الدولة اليهودية من أمرين :
أولهما الدماء و العداء و القتل و الحروب و سفك دماء العرب ، و ثانيهما المساندة و الدعم من دولة كبرى حيث لا يمكن لإسرائيل أو لليهود العيش دون الإعتماد على دولة عظمى تحقق لها ما تعجز عن تحقيقه بنفسها و بالطبع لم تتعاطف بريطانيا أو فرنسا مع اليهود إلا للتخلص منهم و لكن و للأسف فإن التعاطف الأمريكي مع اليهود لم يكن لنفس السبب بل كان لأسباب مرتبطة بالعقيدة المسيحية و اليهودية فعودة المسيح أمر مشترك بينهما ( و بيننا أيضاً ) و لكن العامل المشترك بينهما هو أرض الميعاد
و للحديث بقية ........

الجمعة، ديسمبر 01، 2006

السلفية مرة أخرى

مرة أخرى و بالتأكيد ليست أخيرة أفاجأ بفتوى تقطر سلفية لا عقلانية و لا منطقية تحاكم كل أهل الأرض و تحكم عليهم بجور و ظلم رهيبين دون أدنى إعتبار لسماحة ديننا الحنيف .. و اليوم حتى لا أحاكم كما حوكمت في السابق على إيرادي مجموعة عناوين لفتاوى عجيبة ، جئت لكل قاريء بمصدر الفتوى في وصلة تهون علي و على كل من يجد في كلماتي ظلماً للفتوى و المفتي و منهجه أن يراجعها من مصدرها الأصلي ..
عنوان الفتوى يقول : ترك الصلاة يبطل عقد النكاح
و بناءاً عليه قطع الشيخ عبد العزيز بن باز بأن أي زوجين أحدهما لا يصلي فعقد نكاحهما باطل !
يترتب على هذا أن معاشرتهما لبعضهما البعض تصبح زنا و يترتب أيضاً أن أبنائهما هم أبناء زنا .. بيد أن الشيخ بن باز لم يذكر تلك النتائج في فتواه و لكنها نتائج طبيعية و منطقية لبطلان عقد النكاح
إذن فغالبيتنا أبناء زنا و هكذا تسري علينا أحكام أبناء الزنا حيث ولد الزنا يلحق أمه و لا يتبع أباه كما أنه لا يرث .. فليذهب كل من كان أحد والديه تاركاً للصلاة إلى مصلحة الأحوال المدنية و يقول لهم أن إسم والده قد تغير ! و عندما يسألوه عن إسمه الجديد فليقل .. لا أدري !!!!! .. و عليه أيضاً أن يتنازل عن ميراثه للفقراء .. و لكنهم قد يكونوا أيضاً من أبناء الزنا .. فليتنازل إذن عن ميراثه للا أحد !!!!
بالإضافة إلى ذلك فيمكنني أن أنكح زوجة جاري اللذي لا يصلي باعتبار أنها مكرهة على الزنا أو لا تعلم و بأخذ فتوى الشيخ بن باز بعين الإعتبار فأذهب متوسطاً كوكبة من أهلي إلى أهل زوجة جاري و أطلبها للزواج .. و أعتقد حينها أنني سأتعلم علامة جسدية لن أبرأ منها ما بقى لي من العمر ، أو ستنتهي بي الليلة نزيلاً معززاً مكرماً في
إحدى دور الصحة العقلية أو النفسية
و لا أدري كيف توصل العالم الجليل لهذه النتائج في حين أن المسلم يحل له الزواج من كتابية و هي بداهة لا تصلي بل لا تقيم أي شعيرة أو عبادة من عباداتنا فكيف بنا الموازنة بين فتوى ابن باز و بين ما نعلمه من ديننا ؟
عجباً ثم عجباً ثم عجباً لهؤلاء العلماء العظام اللذين يتركون أهم فريضة إسلامية و هي التفكير و يلقون بأحوال مجتمعاتهم إلى القمامة و يفتون على ظواهر النصوص كأجهزة الحاسب الآلي .. بل هم حتى لا يعتبرون بنصوص أخرى لا بظاهرها و لا بفحواها فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن التوحيد كفيل بإدخال صاحبه الجنة .. فليتفضل الشيخ بن باز بأخذ ظاهر هذا الحديث كما يأخذ بظاهر كل الأحاديث اللتي يستشهد بها في فتاويه ..
لا أدري إلى إين يقودونا علماء السلفية و لا أجد في إدعائهم بأنهم يتبعون منهاج السلف نصياً ثم أمل .. فقد كان السلف يجتهدون و يفكرون و يستنبطون من فحوى الآيات و معاني الأحاديث فلماذا لا ينتهج علماء السلف الحاليين نفس النهج فهم يدعون أنهم تابعون لنهج السلف الصالح و الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعاً .. فأين عقولهم من هذا النهج اللذي يزعمون
الحقيقة أنهم لا يعتبرون أنفسهم أهلاً للإجتهاد بجوار أشخاص الصحابة و التابعين فهم على وجه العموم ناقلين لأقوال الصحابة و التابعين إذا تعذر وجود نص قرآني أو حديث صحيح للدلالة على إفتاءاتهم .. هم إذن معتقدون أن عقولهم و علمهم أقل من أن يجتهدوا و يستنبطوا رغم عدم صحة ذلك منطقياً و عقلياً و نقلياً لأن ضرورة وجود علماء شرعيين تنفي ضرورة إتباع ظواهر النصوص فإذا كنا سنكتفي بما ورد من فقه و آراء من عصور الصحابة و التابعين فلسنا في حاجة إلى عالم فقيه بل نحن حينئذٍ في حاجة لعالم مؤرخ و ما لنا حينها في الفقه من ضالة ..
هذا بالإضافة إلى أن العصور تتغير و المجتمعات تنضج و ترتقي و على سبيل المثال فإن التقدم التكنولوجي اللذي حدث في القرن الأخير يساوي كل تقدم حضارات التاريخ القديمة مجتمعة و حيث أن الإسلام لا يتغير و لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه فقد وجب التجديد .. التجديد و ليس الإبتداع و هناك فرق فتحديات العصر الحالي و مؤثراته تفتقر إلى مفاهيم تقريبية للأحكام الفقهية الصحيحة دون تفريط أو إفراط فكلاهما خطأ ..
لا يمكننا إذن أن ننحو في عصر الطاقة النووية ما كان ينحوه فقهاء الدولة الفاطمية في التعامل و معالجة قضايا المجتمع و حاجاته و الأدلة ليست ببعيدة كزواج المسيار مثلاً حيث أصبح زواج المتعة هدفاً في المجتمع الفقهي السني و لكن العناد و الكبر و النعرة القومية و كذلك خوف التداعيات مؤثرات قوية في إبتكار مسميات جديدة فقط لمخالفة الآخر في المعنى رغم التطابق الشبه كلي في الحكم و الحكمة
كما أن إحترام العقل و وضعه في نصابه الصحيح دون تغليبه على حكمة الخالق جل و علا و دون إلغائه كلياً بالخشية المريضة من الوقوع في الخطأ و المحظور و هو الإبتداع واجب و فريضة حتى لا يتحول المسلمون إلى أطفال رضع يلحقون العلماء في كل شاردة و واردة دون أدنى إعتبار للعقل صاحب الفطرة السليمة و المنهج الصحيح .. و حين قال صلى الله عليه و سلم لوابصة " استفت قلبك : البر ما اطمأنت إليه النفس ، واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك " كان لهذه المقولة حكمة و أرساء لمبدأ شرعي هام و هو الإعتداد بسلامة الفطرة و طهارة القلب إذا لم يثبت العكس ، و حتى إذا ثبت العكس فكل ما قـُصد به إعوجاج في سلامة الفطرة وُصف بالمرض " فيطمع اللذي في قلبه مرض " و هو وصف رحيم من أرحم الراحمين لأن المرض يُعالج و يبرأ منه المريض بإذن الله و ليس معنى المرض كمعنى " ختم الله على قلوبهم " فشتان بين مريض و بين صاحب عاهة مستديمة لذا فإن وجوب إحترام العقل و قياسه و نتاجه فرض عين حتى أن ذهاب العقل يوجب رفع القلم و يعطل التكليف
فأين علماء السلفية من كل هذا و أين إحترام العقل لديهم و تأطير قياساته و نتاجه .. بل أين هم من الإجتهاد العقلي و ليس النقلي ؟