التعديلات الدستورية
بعد بحث غير متحمس توصلت لصياغة التعديلات الدستورية الجديدة و هي تخص 34 مادة من الدستور المصري و لي على الصياغة ملاحظة و هي أن اللغة المصوغة بها التعديلات تحوي نوع من الركاكة و عدم الإهتمام بالألفاظ و أعتقد أن هذا ناتج من السرعة في وضع الصيغة الجديدة فضلاً عن التقيد بفلسفة محددة للتعديلات أرغمت المشرع على التقيد بها في صياغة المواد المعدلة
و فلسفة التعديلات أراها تحمل توجهين لا ثالث لهما و هما :
أولاً إلغاء الإشتراكية
ثانياً القضاء على الإخوان المسلمين في محفل السياسة و المجتمع
إلغاء الإشتراكية جاء بعد الوضع الحرج للحكومة و مؤسسات الدولة بعد بيع القطاع العام و بالتالي تقلص موارد الدولة إلى حد ما ناهيك عن الفساد اللذي يستنزف الموازنة العامة للدولة مما يجعل الدولة غير قادرة على الوفاء بإلتزاماتها خاصة الدعم بشتى صوره هذا فضلاً عن أن الرأسمالية سياسة إقتصادية رائعة تجعل النمو الإقتصادي سريع و قوي و لكن التوقيت اللذي أختير فيه التحول من الإشتراكية للرأسمالية جاء مبكراً عن موعده المناسب فللتحول للرأسمالية يجب القضاء على الفساد و القضاء على الأمية خاصة الأمية السياسية و الإقتصادية كما يجب تحرير السوق من قيود الحكومة - مؤقتاً - مثل الضرائب الغير مبررة كضريبة المبيعات و الجمارك المبالغ فيها تحت مبرر حماية الصناعة الوطنية رغم عدم وجود صناعة وطنية مائة بالمائة .. كما يجب رفع مستوى المعيشة لطبقات الشعب الدنيا لتحريك السوق و توفير خدمات على كافة المستويات أهمها التعليمية و الصحية بما يفي بمتطلبات المواطنين من كافة الفئات و في ذات الوقت لا يحمل الدولة أعباء جديدة .. و أيضاً يجب حماية الضرائب من التسرب و من الفساد مع تحديد نسب ضريبية متفاوتة تتناسب مع دخول أصحابها .. بإختصار فإن التحول من إشتراكية و دعم شبه كامل إلى رأس مالية و إقتصاد يعتمد على السوق و العرض و الطلب لا يمكن القيام به الآن قبل تحقيق الحد الأدنى من الأمان الإقتصادي للشعب و طبقاته كافة
و لكني أؤيد هذا التحول اللذي سيفسح المجال للإستثمار الأجنبي رغم قوانينه المجحفة لمصر و رغم قوانين العمل الغير عادلة بالمرة إلا أن الخطوة في حد ذاتها كبيرة و سديدة
و الجدير بالذكر هنا أن النهوض بالدولة نحو التطوير يجب أن يمر بخطوات التنازل عن العاطفية الدستورية و النعرات القومية الفارغة و هي آفة قوية الإنتشار في مجتمعنا المصري و على سبيل المثال إستهداف رؤوس الأموال الأجنبية - الكافرة و اليهودية - رغم خدمتها الأكيدة لإقتصادنا و مجتمعنا و شبابنا
أما القضاء على الإخوان المسلمين فهو هدف الحكومة بعد أن تبين لها تغلغل الإخوان في المجتمع بشكل مخيف فضلاً عن سيطرتهم التامة على جميع النقابات تقريباً و إتجاه الشعب إلى تأييدهم بعد يأسه من الحكومة خاصة أنهم يرفعون شعار الإسلام و هو ما يستقطب الغالبية العظمى من المصرين بغض النظر عن التوجهات الحقيقية للإخوان و بغض النظر عن تاريخهم الغير مشرف مع الأنظمة الحاكمة على مدار أكثر من 80 سنة هي عمر الإخوان في مصر
و كما قال كارل ماركس فإن الدين أفيون الشعوب أي مخدرها و مغيب عقولها فكل من يرتدي عباءة الدين و يمتلك قشرة من الثقافة الدينية يمتلك الصح المطلق في جميع أحواله و ذلك في نظر الأميين و الجهلاء .. و بالتالي فإن الخطر الداهم من قوة شوكة الإخوان يستوجب وقفة لتحجيمهم و إعادتهم لطبيعتهم الدينية البعيدة عن السياسة
أما النادبين و النابحين و القائلين بأن التعديلات الدستورية تمهد الطريق للتوريث فهم قصيري النظر كثيراً فكل ما جاء في التعديلات بما فيه توسيع سلطات رئيس الوزراء و وضعه الغير شرعي كحاكم مؤقت في غياب الرئيس لكون رئيس الوزراء معين و ليس منتخب .. كل ذلك جاء تحسباً لنمو إخواني برلماني قد يصل بهم لرئاسة البرلمان يوماً ما و هو أمر وارد في ظل النمو الشعبي المطرد اللذي يتمتعون به .. كذلك سلطة حل البرلمان دون الرجوع للشعب لنفس السبب السابق ذكره
يدل الخوف المرضي من الإخوان على إتساع الهوة بين نظام الحكم و بين الشعب و نشوء أزمة ثقة كبيرة بين الطرفين و هو ما لا يبشر بالخير في المستقبل القريب مما يحدوني إلى أن أأمل في أن يستشف النظام هذه القراءة و يعمل على تصحيح الأوضاع حتى يفوز بالمعركة اللتي أوشكت على جولتها الأخيرة
و نأتي لموقف المعارضة و اللتي أصبحت - بإيعاز إخواني - تعارض كل شيء و أي شيء يصدر عن النظام مما أفقدها الموضوعية و المصداقية معاً و جعل من الشرذمة شراذم و تفرقت الإتجاهات و ناصبت العداء لبعضها البعض .. و قد أتى ذلك التوجه نتيجة الإلتفاف الشعبي العارم حول المعارضة و نمو الإخوان و تعاطف الجماهير معهم على إعتبار أنهم مستضعفين و لا أجد فيمن يصف النظام بأنه في موقف حرج أو أوصاف من هذا القبيل .. لا أجده أصاب الحقيقة فالنظام يتعامل بطريقة ردود الأفعال و ليس بطريقة ممنهجة مدروسة و هو خطأ و لا شك و إن كانت التعديلات الدستورية رغم كونها ردود أفعال إلا أنها بداية طريق ممنهج مدروس لضبط آلة الدولة و كلي أمل أن يستغل المشرع هذه التعديلات في صياغة قوانين صالحة تتجه بنا إلى بر الأمان كما أنني كلي خوف أن تستمر سياسة ردود الأفعال و تتحول مصر إلى معركة بين النظام و الشعب و لن يخرج من تلك المعركة رابح واحد
و من الملاحظ أن هامش الحرية اللذي حصلت عليه الصحافة و المعارضة تحول إلى سياسات قذف و سب و إتهام بالباطل بجانب الإهانات و الإستخفاف برموز كبار و هو ما أراه طبيعياً تحت وطأة الأمية الثقافية و اللتي تدفع بحاملها نحو مهاجمة الشخصيات كشخصيات و ليس كأفعال و رموز
و كما حصل الشعب اللبناني على الديموقراطية فأساء إستخدامها و تحولت لبنان إلى بلد المليون زعيم و بلد المعارك السياسية اللتي تضر حتماً بالدولة شعباً و حكومة و إقتصاد نتجه نحن في نفس الطريق لنتحول إلى مجموعة من الأطفال نبكي و نصرخ و نصخب و نرد الصاع بالصاع .. قد يكون السيد أحمد نظيف رئيس الوزراء محقاً إلى حد ما في وصف الشعب المصري بعدم النضوج السياسي .. و لا أنكر أن الحكومات المتعاقبة لها قصب السبق في الوصول بالشعب إلى هذه النتائج و لكن أعتقد أن الوقت قد حان للتغيير و التحول إلى الرقي و الموضوعية و الحياد ... فقط حان الوقت و لكن هل سيتم الإنتباه إلى هذه الفرصة أم لا ؟ .. هل سيتحول الشعب من نصف أمي إلى نصف مثقف أم لا ؟ هذا هو السؤال