الأربعاء، يوليو 11، 2007

أمريكا ونهاية اللعبة العراقية

أمريكا ونهاية اللعبة العراقية
باتت السيطرة على العراق ضرباً من المستحيل بعد أن تجاوزت المقاومة الإسلامية بنوعيها الشيعي و السني كل الحدود و أصبحت المعركة متعددة الأطراف و الأهداف و اتجه بعضها إلى شكل الثأر في حين الشكل الطبيعي للمقاومة و هو التحرير أصبح مشوه و غير واضح بعد ظهور أذناب القاعدة و تفاقم المعارك بينها و بين جيش المهدي و بينها و بين جماعات المقاومة السنية و بين جماعات المقاومة السنية و جيش المهدي و بين كل الأطراف السالفة الذكر و قوات التحالف ناهيك عن الأكراد و أهدافهم في تكوين دولة كردية على حدود تركيا و رفض تركيا القاطع لهذا الحلم الكردي مع إحتمال تدخل الجيش التركي في شمال العراق و ما يترتب على هذا التدخل من آثار على العراق و على العلاقات بين تركيا و أمريكا
إنه مزيج من المعارك و الأهداف جعل من العراق ساحة للفوضى و مجال خصب لنمو الإرهاب و تربيته
و ضاع الهدف الأمريكي الظاهر و الخفي من غزو العراق فلا العراق تحولت إلى نموذج ديموقراطي عربي يحتذى و لا هنأت أمريكا بالغوص في نفط العراق الوفير بل الأدهى و الأكثر مرارة أن أمريكا دفعت فاتورة باهظة لتمويل غزو العراق فضلاً عن الكراهية العربية و الإسلامية اللتي تفاقمت تجاه بلاد العم سام لكونها تدعم إسرائيل بمناسبة و بدون مناسبة ضد فلسطين من جهة و لكونها غزت العراق و حولتها إلى فوضى عارمة من جهة أخرى
و لكن واقع الحال يجبرنا على البحث - و لو النظري - عن حلول لمأساة العراق ففي النهاية يجب أن يستقر هذا البلد و يأمن ليس فقط من أجل أبناءه و لكن من أجل منطقة الشرق الأوسط بأسرها و من أجل العالم الإسلامي اللذي تحول بفعل غزو العراق إلى سيرك قومي يعاني الأمرين من كل جهة
لقد أثر غزو العراق و من قبلها أفغانستان على العالم ككل و تحول علماء المسلمين إلى قادة عسكريين يصدرون فتاواهم ليأتمر بها أتباعهم فإما الحرب و المقاومة و إما الإرهاب و الخسة و القتل في جنح الليل و الغدر بأرواح الآمنين و إما الصمت الكسير الذليل
في النهاية يجب علينا التسليم بالأمر الواقع و هو وجود قوات التحالف على أرض العراق و يجب عليهم التسليم بأمرين و هما فشل الحملة العسكرية على أفغانستان و على العراق بالإضافة إلى الفشل الأكبر في السيطرة على البلدين فحتى أمل إعادتهما كما كانا قبل الغزو بات من المستحيل
و الحلول اللتي تخص العراق تكمن في خطوة أولى و هامة و هي إسقاط حكومة المالكي و هو كفعل سيكون أول إصلاح لخطأ فادح إرتكبته أمريكا و لكن أظنها غير عامدة ، ففكرة تسليم السلطة للشيعة على وجه التحديد لم تكن أبداً لتراود صقور البيت الأبيض لكون إيران هي العدو الأول لأمريكا و تسليم السلطة للشيعة في العراق يعني تسليم العراق لإيران و لكن ما أظنه أن تسليم السلطة كان لمن تعاون مع أمريكا في الإستيلاء على تلك السلطة و هو ما أراه منطقياً فالشيعة هم أكثر طوائف الشعب العراقي كراهية لصدام حسين و أكثر من تضرر من الحكم الشمولي لحزب البعث و بالتالي فهم أول من ساعد بلا تردد في إسقاط النظام البعثي أي أنهم هم من إستقبلوا المحرر الأمريكي بالورود و أكاليل الغار و بالتالي فهم أكثر ولاءاً من غيرهم للمحرر الغربي و لهم الحق في الحصول على السلطة في العراق طالما كان ولائهم لأمريكا و لكن الحقيقة اللتي لم يرها القادة الأمريكان هي أن العرب ليسوا هم من يتطلع لبناء دولة مدنية حديثة على أسس علمانية و ليسوا من يترك أو يتسامح في الإضطهاد و التنكيل البعثي قبل الغزو و لابد من رد الصاع صاعين قبل إستقرار البلد فالثأر أجدى لديهم من مستقبل أولادهم
أهم ما يخصنا في هذا الخضم هو الحل لمشكلة العراق ، و هو كما ذكرنا إسقاط حكومة المالكي و العمل على وضع دستور أكثر إعتدالاً للبلاد و تحويل العراق إلى دولة علمانية ثم تشكيل حكومة إنتقالية يوافق عليها الشعب العراقي بكل طوائفه بغض النظر عن شكلها الطائفي فلا بأس أن تكون كلها من الشيعة أو من السنة أو خليط منهما معاً فالهدف لن يكون بالضرورة الحصول على السلطة بل سيكون الهدف إيجاد مستقبل لهذا البلد العليل ، يجب أيضاً وضع جدول زمني واضح للإنسحاب الأمريكي من العراق و يمكن إحلال جيش إسلامي خلفاً له و يمكن التغاضي عن هذا و للشعب العراقي الحق الكامل في الإختيار
و لكن قبل كل هذا لابد من تصفية تنظيم القاعدة عن بكرة أبيه و بذل كل نفيس و غال في هذا السبيل و إلا فإن أي جهد يبذل للبناء و التنوير محكوم عليه بالفشل فتنظيم القاعدة لم يعد مجرد جماعة متشددة فحسب بل أصبح فكر أيديولوجي جاذب للكثيرين تحت وطأة الفقر و الجهل و التخلف اللذين يحلقون في سماء العالم العربي دون أمل قريب في زوالهم
تنظيم القاعدة يجد اليوم متعاطفين و مؤيدين في مشارق الأرض و مغاربها حتى و لو لم يتحقق بينه و بينهم أي إتصال ففكره بات الملاذ الأكبر لهؤلاء اللذين طحنتهم الحاجة و العوز و هم يرون أنفسم ذاتياً كأفضل من خطا على الأرض بقدمه في حين يرون الغرب الكافر في رأيهم و هو يرفل في النعم و الملذات و الشهوات و هم محرومون و تأتي غزوات الغرب العسكرية و الفكرية كقشة تقصم ظهورهم و تدفعهم نحو المواجهة و في غياب العقل و التحضر و الفكر المستنير و في غياب العلم و الأفق الواسع تصبح المواجهة حتماً مسلحة فالقتل و التدمير حل وحيد و قريب و واجب ديني و فرض إلهي كما يراه هؤلاء
إن القضاء على القاعدة سيعيد للعالم الأمان المفقود و قد يحول العرب إلى النظر إلى مستقبلهم و بناء حضاراتهم قبل أن ينفد مخزون النفط و ينفد معه صبر العالم المتحضر على وجود تلك المخلوقات المسماة عرباً