الأحد، نوفمبر 25، 2007

أنابوليس ... العشق و الهوى

أنابوليس ... العشق و الهوى
تقع مدينة أنابوليس عاصمة ولاية ماريلاند على بعد 80 ميلاً من العاصمة واشنطن و هي مدينة تحمل أهمية تاريخية حيث عقدت فيها مؤتمرات ما بعد إستقلال أمريكا للتنسيق بين الولايات في شئون التجارة و العمل و غيرها و ستستضيف أنابوليس في يوم الثلاثاء السابع و العشرين من نوفمبر الجاري مؤتمر أو إجتماع أو " قعدة " السلام و اللتي وافق حكام ستة عشر دولة عربية على الذهاب إليها مع وزراء خارجيتهم و إحتمال كمان مع أبناء جيرانهم !لست أبداً ضد السلام و عودة الحقوق لأصحابها لا سيما الشعب الفلسطيني رغم يأسي من تحقق تلك العودة و لكن .. لقد كانت نتيجة فشل مؤتمر كامب ديفيد للسلام اللذي دعا إليه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون هي قيام إنتفاضة عام 2000 ... فماذا يا ترى ستكون نتائج فشل " قعدة " أنابوليس ؟
و هي " قعدة " بالفعل أو لنقل زيارة ترفيهية أو سياحية للزعماء العرب لعدة أسباب .. منها أن الدعوة الأمريكية لحضور هذه القعدة لم تحمل لا جدول أعمال و لا أجندة مؤتمر و لا بيان ختامي و لا حتى عبارة " لا عزاء للسيدات " أو " العاقبة عندكم في المسرات " !و إنما حملت الدعوة كلمة براقة رنانة تسيل اللعاب و هي كلمة " السلام " .. إزاي ؟ و فين ؟ و إمتى ؟ ما حدش عارف !و منها أن الوضع السياسي للولايات المتحدة غير مستقر داخلياً و خارجياً مما يعني فقدها الجزئي للقوة القادرة على دفع أو مراقبة خطوات للحل النهائي و منها إقتراب خروج رئيسها من الحكم مما يعني تغيير جديد في سياستها و إحتمال جب كل ما سبق إتخاذه من قرارات و مبادرات
لقد حار الزعماء العرب مثل حيرتي الآن في رفض أو قبول حضور تلك القعدة و أقاموا القمم و القيعان و إختلفوا فقررت السعودية رفض الدعوة ثم إتفقوا فعادت السعودية لتعلن أنها لن تخرج على الإجماع العربي .. ثم جاءت سوريا مكفهرة الوجه عبوسة لتعلن أنها لن تذهب إلا إذا أدرجت مشكلة مرتفعات الجولان على أجندة المؤتمر ( هي فين الأجندة دي ؟ ) و إستجابت الإدارة الأمريكية لمطالب سوريا ببعض التصريحات ( أي دون رد رسمي ) و لكن سوريا تصر على رد رسمي أما إسرائيل فكعادتها الدائمة تهلل وجهها عندما علمت أن العرب أجمعوا على الذهاب و وصفت ذلك الإجماع بأنه أمر هام يمكن أن يكون ضمانة لنجاح هذه المبادرة ( يعني حاجة كويسة ) و هي جملة مغرقة في الديبلوماسية ككل الأقوال الديبلوماسية و اللتي عندما نسمعها نشعر بالسعادة رغم كوننا لم نفهم أي شيء و لم نحصل على أي نتيجة !
العشق
تعشق الولايات المتحدة ذلك الدور اللذي منحتها الظروف منحة القيام به و هو دور شرطي العالم و الأخ الأكبر ( غير الشقيق ) للمستضعفين و المظلومين و الأرامل و الأيتام و الرضع .. و تعشق إسرائيل أن تكون طرفاً دائماً في المشكلات التاريخية و يا حبذا لو كانت الطرف الأقوى صاحب الإملاءات و الشروط و صاحب الممتلكات - غير الشرعية - اللتي ما إن يلوح بها ( كوقف الإستيطان أو أن القدس عربية ) حتى يهرول الجميع للموافقة على تطبيع العلاقات معها ، و التطبيع العربي مع إسرائيل أو بالأحرى رهن التطبيع العربي مع إسرائيل هو السلاح الوحيد الفعال في يد العرب ضد إسرائيل و هو الأمنية الغالية للدولة اليهودية و اللتي تفتقد الأمان في وجودها بين دائرة من الأعداء منذ قيامها ، بيد أن هذا العشق الأمريكي الإسرائيلي لا يخلو من المراوغة و اللعب بكل الخيوط فعشق الولايات المتحدة لدورها التاريخي في فرد المساحات الزمنية الشاسعة للحل ( اللا ) نهائي لا يضاهيه عشقاً ففكرة شرطي العالم و فتوة الناس الغلابة لا تقوم على القواعد الأخلاقية المتعارف عليها و إنما تقوم - ككل السياسات - على قواعد النفعية و المصلحة الخاصة و هي بتطويل و مط الحلول تمنح نفسها فرصاً جديدة للعب نفس الدور عندما يفشل حل من الحلول - الغير قابلة للنجاح - اللتي تطرحها كل سبعة أو ثمانية أعوام و تسير إسرائيل صاحبة المصلحة الأصيلة في تعقيد القضية لا حلها على نفس النهج فالحل يعني خسائر بالجملة لإسرائيل - و لبعض المستفيدين العرب - لأنها ستعيد أراضي إحتلتها و تفقد ورقة مهمة في لعبتها مع العرب كما ستفقد مساحة كان يمكنها توطين مواطنيها فيها و بالتالي فرض أمر واقع على إصحاب الأرض الأصليين كما أنها ستخسر أمنها إذا قبلت بإعادة اللاجئين الفلسطينيين و ستفقد حلمها بأن تكون القدس عاصمة إسرائيل .. و في النهاية - و هو الأمر المحتوم - ستفقد وجودها في الشرق الأوسط و حيازتها لأرض الميعاد
الهوى
تعرف الماسوشية بأنها متعة تعذيب النفس فبعض الأشخاص يجدون في ضربهم و إيلامهم و ربما تعذيبهم متعة لذلك يبحثون عن عذابهم بحث العاشق عن معشوقه و في رأيي أن العرب باتوا ماسوشيين فيما يتعلق بقضية فلسطين فهم يعلمون علم اليقين أن قعدة أنابوليس لا طائل منها سوى أنها خطوة جديدة نحو التطبيع و ربما خطوات نحو ضرب إيران و لكنها بعيدة كل البعد عن هدفها المعلن " السلام " و بعيدة عن هدفها الموحى به و هو إقامة دولة فلسطينية كما أنهم يدركون الحيل الأمريكية و الإسرائيلية في مد و مط و تطويل الحلول لتصبح في النهاية حلول نظرية فقط .. و رغم كل هذا فهم يهوون الذهاب إلى مؤتمرات السلام و يستعذبون الحلول الأمريكية بعيدة المنال و المسافة و الغريب أنهم يصدقونها و يؤيدونها و يتخذونها نهجاً فعلياً فما زال حتى الآن بعض الموهومين يتشدقون بخارطة الطريق و كأنها واقع رغم أنها فقدت مصداقيتها بعد أن تجاوزت الخطوات الزمنية المحددة لها و لم يتحقق شيء على أرض الواقع إنه الهوى العربي في السير وراء السراب على أمل ألا يكون سراباً و لكنه أبداً لا يكون إلا سراباً رغم كل ما سبق من " رغي " إلا أني أدعو الله ألا تصدق ظنوني و أن تنبثق من قعدة أنابوليس أي نتائج إيجابية لعل جورج بوش اليوم يكون قد تعقل و أدرك أنه على شفا الخروج من البيت الأبيض فيلتمس حسن الخاتمة بدلاً عن سوء المنقلب