قرأت على أحد المدونات خبر عن تحرش جنسي جماعي حدث في وسط البلد أيام عيد الفطر و أدى هذا التحرش الجماعي لهتك عرض عدة فتيات منهن المحجبات و قيل منقبات و منهن المتبرجات
و بغض النظر عن حقيقة الخبر من كذبه فهو مناسب جداً للتطرق لعدة موضوعات إذا تناولنا التعليقات عليه مع فحواه
أولاً الجوع الجنسي للشعب المصري بصفة خاصة و الشعب العربي و الشرقي و الإسلامي بصفة عامة حقيقة لا ينكرها إلا أعمى أو منافق
و ثانياً التحرش الجنسي في مصر يحدث في كل مكان بدءاً من الشركات الخاصة و العامة و مروراً بالمواصلات العامة و انتهاءاً بالميادين و الشوارع المزدحمة و خاصة أيام المواسم و الموالد و اللتي يزداد فيها الزحام بشكل كبير
و ثالثاً التحليلات و التعليقات على الخبر كما قرأتها - و بغض النظر عن صحة الخبر من عدمها - تشي بمدى الجهل و التجهيل اللذي ألم بنا كشعب
و لنبدأ بثالثاً فذاكرتي حُبلى بالكثير من الملاحظات و أوشك مخاضها
فئة كذبت الخبر منكرة أن " مصرنا الحبيبة " صاحبة المبادئ و القيم و النخوة و الرجولة يمكن أن يحدث بها هذا و هذه الفئة تابعة لهؤلاء اللذين يتقنون مبدأ " كله تمام " و يعيشون على أطلال الحِكم و المواعظ الكلاسيكية و الحلول سابقة التجهيز و اللتي يتجاهلون تناسبها من عدمه مع المشكلة شكلاً و حجماً و موضوعاً كما أنهم متصلبون و متحجرون فالحوار من أجل الحلول يعد بالنسبة لهم جدالاً إن لم يكن مضيعة للوقت
فئة صدقت الخبر و قالت أن هناك " شئ غامض " يجري التعتيم عليه بالسماح بمثل هذه الأحداث أن تقع دون وجود قوة أمنية و هؤلاء من أنصار نظرية المؤامرة بشكل صارخ فدائماً هناك ما يحاك في الظلام من أجل تقويض و هدم الدين أو الوطن و دائماً هناك عدو خفي يتربص بنا و دائماً نحن ضحايا و دائماً مهيضي الجناح و دائماً نتناسى " خيبتنا التقيلة " و نعزو فشلنا إلى الأرواح الشريرة المعادية و قوى الظلام المنتشرة تحت الأرض و اللوبي الصهيوني و دول البلقان و مجلس الأمن و المتانة !
فئة ألقت بلائمتها على قوى الأمن و الشرطة و عدم تواجدها الكافي في موقع الحدث و هؤلاء بالطبع أصحاب إتجاه تسييس الوقائع لخدمة قضيتهم فدائماً الحكومة متواطئة ( مع من ؟ .. ألله أعلم ) و دائماً الحكومة لا تلتفت إلى قضايا الشعب الحقيقية بل و تساعد على تكريسها و في النهاية الحكومة فاشلة و غبية و يجب القضاء عليها .. هذه قضيتهم الخالدة و هدفهم الأسمى
فئة ألقت باللوم على الحكم و الحكومة و الاتجاهات العلمانية للبلد و هؤلاء هم أصحاب الدين اللذي يظهر عند الضرورة أو عند الإحراج - و لا أستبعد مطلقاً أن يكون بعضهم أحد المتحرشين - و هو دين ضحل لا عمق له مجرد مجموعة من المسلمات و الأحكام الشائعة الإنتشار يحفظونها عن ظهر قلب بجانب بعض المصطلحات الضرورية لتزيين الحوار و التدليل على عمق الثقافة بينما هم في حقيقتهم مشاركين و بقوة في تمهيد المنحدر الأخلاقي اللذي أوشكنا على بلوغ نهايته
فئة تسائلت أين ذهب الدين و هذه الفئة هي أخطر الفئات على إطلاقها فهم أصحاب الفكر الجامد الصلب اللذي يتجاهل تحديات العصر و مستحدثاته و يعود بكل آلامه إلى نقص الدين و عدم إتباع صحيحه في حين أن الدين المعاصر - إذا جاز التعبير - هو نسخة كربونية من فقه عصور غابرة لم يداعب خيالها يوماً أقل القليل من مستحدثات عصرنا و مقوماته .. و هذا العصر اللذي نرفل في تقنياته و حداثته يفتقر بشدة لفقهاء معاصرين يتبنون فقه الواقع كما يجب أن يكون كما أنه يفتقد إلى لغة الحوار الراقية بين العلماء و بعضهم البعض مما يدل على نقص حاد في الجانب العلمي الديني لفقه التعامل على الأقل .. هذه الفئة تتوق لعصر من عصور الخلافة الإسلامية حيث الحرملك و السلاملك و نساء لا تخطو خارج حدود عتبات غرفهن و تناسوا أو تعاموا عن عالم يضج بكل ما هو جديد و حديث و غضوا الطرف عن علوم إنسانية و مادية غزت العقول و أوسعت الآفاق و نمّت الثقافات و باتت نساء اليوم أكثر حجية - إن لم يكن أكثر علماً - من رجاله
فئة ألقت اللوم على المرأة و تبرجها و عريها و أنا أتفق جزئياً مع هذه الفئة و إن كانت الحلول المطروحة في هذا الصدد شبه مستحيلة و أقلها غير مقبول
فئة ألقت اللوم على الرجال و تبجحهم و تنازلهم عن أبسط مقومات الرجولة كما نعرفها و أنا أختلف معهم - معظمهن نساء - فهؤلاء يريدون من إنسان أن يتنازل عن إنسانيته و حاجاته الحيوية ليثبت أنه رجل .. الغريزة حقيقة و الشهوة واقع و ندائها جائز و تأججها يحدث و وحشيتها ليست ببعيدة عن عالم اليوم مع وضع كل الظروف المحيطة الدافعة في الإعتبار
فئة قالت أن ما يحدث هو مخطط صهيوني للقضاء على مستقبل البلد المتمثل في شبابه و كوادره الشابة و هم فئة لا أرى في التعقيب على آرائهم ثم فائدة فالخلط واضح للغاية في رؤاهم
فئة تنبأت أن ما حدث كان بتدبير محكم للوبي مسيحي و ميليشيات صليبية داخلية لتشويه صورة الإسلام و هم بالطبع أنصار جدد لنظرية المؤامرة و جدتهم تكمن في تحويل اتجاه أصابع الإتهام من أقصى الخارج لعمق الداخل و هم متسببون مستقبليون في مصائب قومية
فئة قالت أن البطالة و الفراغ و الغيرة من شباب ثراؤه فاحش تدفع بالشباب لليأس من غده بجانب الأزمة الإقتصادية الطاحنة اللتي " تمر " بها مصر و قد يكون الفراغ و الغيرة و التمني موجودون و بلا جدال فإن البطالة واقع و لكن ما حدث ليس ناتج لهذه الأسباب فقط بل هناك المزيد
و عندما تدخل بعض الإخوان العرب بإنتقاد مصر و شعبها انقلب الناقد إلى مدافع و الجلاد إلى حليف و تم القضاء على هذا الدخيل اللذي يتناول مصر و سمعتها بالقدح و الذم .. و لا أجد ثم تعليق مناسب
فئة أخيرة ( مصدقين أو مكذبين ) أرادوا تهدئة الموقف و كف القوم عن القدح في وطننا " الحبيب " على الملأ و اكتفوا بـ " حسبنا الله و نعم الوكيل " و هكذا تقريباً كانت جل التعليقات إتجاهاً لا لفظاً و هم الفئة المستسلمة ( الغالبية العظمى ) و اللذين تسببوا و يتسببوا في الدمار التدريجي للإرادة و العزيمة و القضاء على الهمة و الإصرار
و نأتي لثانياً قبل أولاً فالتحرش الجنسي في مصر يحدث في كل مكان بدءاً من الشركات الخاصة و العامة و مروراً بالمواصلات العامة و الخاصة و انتهاءاً بالميادين و الشوارع المزدحمة و خاصة أيام المواسم و الموالد و اللتي يزداد فيها الزحام بشكل كبير هذا بخلاف الشوارع و الأماكن الهادئة أو المظلمة .. إلخ
بإختصار شديد فإن التحرش الجنسي يحدث في مصر من أقصاها إلى أقصاها و لا يمكنني بحال دفن رأسي في الرمال مدعياً أنها إشاعات مغرضة لا يمكن أن تحدث في بلدي الحبيب .. بل إن حبي لبلدي يدفعني دفعاً لنبش عيوبه و إظهارها للشمس لعلها تجفف نداها و تقضي على جراثيمها ... يجب علينا جميعاً كمصريين الإعتراف بأن مصر ككل بلاد العالم تشكو و تئن من مشاكل إقليمية تفرضها ثقافتها الفريدة و موقعها الدولي و العربي و موروثاتها الممتزجة بكل ثقافات شعوبها الغابرة و عاداتهم الجاهلية و الدينية على حد سواء
و للتحرش الجنسي المتفشي في بلادي - بجانب الشذوذ - أسباب لا يتجاهلها إلا أعمى أو ميت منذ قرون و قد عاد لتوه للحياة و أهم هذه الأسباب إن لم يكن أوحدها هو ( أولاً ) الجوع الجنسي أو الشبق أو الشياع أو ما إلى ذلك من مسميات ..
الزواج في الثقافات العربية يعني الإستقرار و تكوين أسرة و تحمل المسئولية بينما الجنس المجرد في الثقافات العربية هو الخطيئة و الذنب و الكبيرة و إنعدام الحياء و السفالة و الإنحطاط و ما أعنيه بالجنس المجرد هنا ليس بالضرورة ممارسته بل مجرد الحديث عنه أو التفكير فيه
و في العادة لا يمكن القول أن الجنس هو هدف أو الهدف من الزواج ( فقط بسبب الحياء ) بينما الحقيقة هي أن الجنس هدف من أهداف الزواج إن لم يكن هو الهدف من الزواج ( من لم يستطع فعليه بالصوم ) و الصوم هنا على من لم يستطع الزواج مما يعني أن الزواج هنا هو الجنس أو من أجل الجنس أو من أهم أهدافه ممارسة الجنس و هو هدف بلا شك نبيل لأن الشهوات بالنسبة للبشر كأجنحة الطائرة المحلقة و اللتي تتسبب في إستقرارها و عدم إضطرابها و الجنس بالنسبة للمجتمع هو صمام أمان يمنع الإنفلات و الفاحشة كالزنا و اختلاط الأنساب
كما أن الجنس ليس فقط جالباً للمتعة بل هو طريق التناسل و باب الأبوة و الأمومة بخلاف كونه مدراً للعطف و المودة بين الزوجين
بينما الجنس بهذه الأهمية و الدور المتعاظم في حياتنا إلا أن المجتمع يرفض مجرد التفكير فيه بل و يجرم الحديث عنه .. مجرد الحديث ............ و النتائج :
الجهل المدقع لدى الجنسين و التستر الشديد و التعتيم على أي حوار أو معلومة جنسية يتناقلها المراهقون و ليس مهماً صحتها أم خطأها كما أن الضرر الناتج عن خطأها ليس مهماً أيضاً
تحول العادة السرية ( نحن متفردون بوصفها السرية و الأسباب واضحة ) إلى عادة قومية أو وطنية
تحول ليلة الزفاف ( ليلة العمر ) إلى خطر داهم و كابوس مخيف يجب الإستعداد له بتناول ما يصل إلى اليد من مخدرات و منشطات و خمور .. حتى الفطرة اللتي من المفترض أنها ستقود تلك الليلة يتم تكذيبها مسبقاً بالمعلومات المغلوطة و الإضافات الحارة لقصص المتزوجون السابقون أو الممارسون
تحول الحياة الزوجية إلى ما يشبه الدوران في حلقة مفرغة فلا جديد نتيجة الزواج و لم يتغير شئ سوى إضافة إنسان جديد إلى مائدة الطعام
الحرمان الجنسي بعد الزواج و هو أخطر ما يمكن حدوثه في المجتمع لأنه يقضي على الهدف الأساسي من الزواج بل و يؤدي إلى ما يؤدي له عدم الزواج من أمراض إجتماعية و لا يمكن إغفال نتائجه من خيانات زوجية بالفعل أو بالفكر .. و يأتي الحرمان الجنسي نتيجة اعتبار الجنس خطيئة حتى بعد الزواج و حصره في مجرد الحصول على المتعة و السلام و غض النظر - جهلاً - عن حقيقة ما أوصى به الدين من مداعبة و ملاعبة و حوار مثير و غيرها من أمور توطد العلاقة الزوجية و التقارب الإنساني بين الزوجين
بمجرد الزواج يبدأ التفكير في الحمل و كيفية حدوثه و ما هي السبل الأكيدة للقضاء على معوقاته بينما الحصول على قسط من ممارسة الحقوق البشرية الشرعية بكافة أشكالها و النهل من كل منابع المتعة و التلذذ بها بعيداً عن حمل هموم الخلف و خلف الخلف لا يُلتفت إليها
لا أدعو لنشر الإباحية و العري و ثقافة البورنو من أجل تثقيف البشر و تعليمهم بل أدعو إلى منهج ديني علمي راقي للتعليم الجنسي و ثقافته .. أو على الأقل أدعو للغة تفاهم صريحة بين الزوجين ليحصل كل منهما على ما يريده و يشتهيه من الآخر فهذا يكرس التفاهم العميق بينهما و يقتل فرص الطلاق أو النفور أو الخيانة الزوجية في مهدها