الاثنين، أكتوبر 30، 2006

ثقافة الحرمان و ثقافة التحرش

قرأت على أحد المدونات خبر عن تحرش جنسي جماعي حدث في وسط البلد أيام عيد الفطر و أدى هذا التحرش الجماعي لهتك عرض عدة فتيات منهن المحجبات و قيل منقبات و منهن المتبرجات
و بغض النظر عن حقيقة الخبر من كذبه فهو مناسب جداً للتطرق لعدة موضوعات إذا تناولنا التعليقات عليه مع فحواه
أولاً الجوع الجنسي للشعب المصري بصفة خاصة و الشعب العربي و الشرقي و الإسلامي بصفة عامة حقيقة لا ينكرها إلا أعمى أو منافق
و ثانياً التحرش الجنسي في مصر يحدث في كل مكان بدءاً من الشركات الخاصة و العامة و مروراً بالمواصلات العامة و انتهاءاً بالميادين و الشوارع المزدحمة و خاصة أيام المواسم و الموالد و اللتي يزداد فيها الزحام بشكل كبير
و ثالثاً التحليلات و التعليقات على الخبر كما قرأتها - و بغض النظر عن صحة الخبر من عدمها - تشي بمدى الجهل و التجهيل اللذي ألم بنا كشعب
و لنبدأ بثالثاً فذاكرتي حُبلى بالكثير من الملاحظات و أوشك مخاضها
فئة كذبت الخبر منكرة أن " مصرنا الحبيبة " صاحبة المبادئ و القيم و النخوة و الرجولة يمكن أن يحدث بها هذا و هذه الفئة تابعة لهؤلاء اللذين يتقنون مبدأ " كله تمام " و يعيشون على أطلال الحِكم و المواعظ الكلاسيكية و الحلول سابقة التجهيز و اللتي يتجاهلون تناسبها من عدمه مع المشكلة شكلاً و حجماً و موضوعاً كما أنهم متصلبون و متحجرون فالحوار من أجل الحلول يعد بالنسبة لهم جدالاً إن لم يكن مضيعة للوقت
فئة صدقت الخبر و قالت أن هناك " شئ غامض " يجري التعتيم عليه بالسماح بمثل هذه الأحداث أن تقع دون وجود قوة أمنية و هؤلاء من أنصار نظرية المؤامرة بشكل صارخ فدائماً هناك ما يحاك في الظلام من أجل تقويض و هدم الدين أو الوطن و دائماً هناك عدو خفي يتربص بنا و دائماً نحن ضحايا و دائماً مهيضي الجناح و دائماً نتناسى " خيبتنا التقيلة " و نعزو فشلنا إلى الأرواح الشريرة المعادية و قوى الظلام المنتشرة تحت الأرض و اللوبي الصهيوني و دول البلقان و مجلس الأمن و المتانة !
فئة ألقت بلائمتها على قوى الأمن و الشرطة و عدم تواجدها الكافي في موقع الحدث و هؤلاء بالطبع أصحاب إتجاه تسييس الوقائع لخدمة قضيتهم فدائماً الحكومة متواطئة ( مع من ؟ .. ألله أعلم ) و دائماً الحكومة لا تلتفت إلى قضايا الشعب الحقيقية بل و تساعد على تكريسها و في النهاية الحكومة فاشلة و غبية و يجب القضاء عليها .. هذه قضيتهم الخالدة و هدفهم الأسمى
فئة ألقت باللوم على الحكم و الحكومة و الاتجاهات العلمانية للبلد و هؤلاء هم أصحاب الدين اللذي يظهر عند الضرورة أو عند الإحراج - و لا أستبعد مطلقاً أن يكون بعضهم أحد المتحرشين - و هو دين ضحل لا عمق له مجرد مجموعة من المسلمات و الأحكام الشائعة الإنتشار يحفظونها عن ظهر قلب بجانب بعض المصطلحات الضرورية لتزيين الحوار و التدليل على عمق الثقافة بينما هم في حقيقتهم مشاركين و بقوة في تمهيد المنحدر الأخلاقي اللذي أوشكنا على بلوغ نهايته
فئة تسائلت أين ذهب الدين و هذه الفئة هي أخطر الفئات على إطلاقها فهم أصحاب الفكر الجامد الصلب اللذي يتجاهل تحديات العصر و مستحدثاته و يعود بكل آلامه إلى نقص الدين و عدم إتباع صحيحه في حين أن الدين المعاصر - إذا جاز التعبير - هو نسخة كربونية من فقه عصور غابرة لم يداعب خيالها يوماً أقل القليل من مستحدثات عصرنا و مقوماته .. و هذا العصر اللذي نرفل في تقنياته و حداثته يفتقر بشدة لفقهاء معاصرين يتبنون فقه الواقع كما يجب أن يكون كما أنه يفتقد إلى لغة الحوار الراقية بين العلماء و بعضهم البعض مما يدل على نقص حاد في الجانب العلمي الديني لفقه التعامل على الأقل .. هذه الفئة تتوق لعصر من عصور الخلافة الإسلامية حيث الحرملك و السلاملك و نساء لا تخطو خارج حدود عتبات غرفهن و تناسوا أو تعاموا عن عالم يضج بكل ما هو جديد و حديث و غضوا الطرف عن علوم إنسانية و مادية غزت العقول و أوسعت الآفاق و نمّت الثقافات و باتت نساء اليوم أكثر حجية - إن لم يكن أكثر علماً - من رجاله
فئة ألقت اللوم على المرأة و تبرجها و عريها و أنا أتفق جزئياً مع هذه الفئة و إن كانت الحلول المطروحة في هذا الصدد شبه مستحيلة و أقلها غير مقبول
فئة ألقت اللوم على الرجال و تبجحهم و تنازلهم عن أبسط مقومات الرجولة كما نعرفها و أنا أختلف معهم - معظمهن نساء - فهؤلاء يريدون من إنسان أن يتنازل عن إنسانيته و حاجاته الحيوية ليثبت أنه رجل .. الغريزة حقيقة و الشهوة واقع و ندائها جائز و تأججها يحدث و وحشيتها ليست ببعيدة عن عالم اليوم مع وضع كل الظروف المحيطة الدافعة في الإعتبار
فئة قالت أن ما يحدث هو مخطط صهيوني للقضاء على مستقبل البلد المتمثل في شبابه و كوادره الشابة و هم فئة لا أرى في التعقيب على آرائهم ثم فائدة فالخلط واضح للغاية في رؤاهم
فئة تنبأت أن ما حدث كان بتدبير محكم للوبي مسيحي و ميليشيات صليبية داخلية لتشويه صورة الإسلام و هم بالطبع أنصار جدد لنظرية المؤامرة و جدتهم تكمن في تحويل اتجاه أصابع الإتهام من أقصى الخارج لعمق الداخل و هم متسببون مستقبليون في مصائب قومية
فئة قالت أن البطالة و الفراغ و الغيرة من شباب ثراؤه فاحش تدفع بالشباب لليأس من غده بجانب الأزمة الإقتصادية الطاحنة اللتي " تمر " بها مصر و قد يكون الفراغ و الغيرة و التمني موجودون و بلا جدال فإن البطالة واقع و لكن ما حدث ليس ناتج لهذه الأسباب فقط بل هناك المزيد
و عندما تدخل بعض الإخوان العرب بإنتقاد مصر و شعبها انقلب الناقد إلى مدافع و الجلاد إلى حليف و تم القضاء على هذا الدخيل اللذي يتناول مصر و سمعتها بالقدح و الذم .. و لا أجد ثم تعليق مناسب
فئة أخيرة ( مصدقين أو مكذبين ) أرادوا تهدئة الموقف و كف القوم عن القدح في وطننا " الحبيب " على الملأ و اكتفوا بـ " حسبنا الله و نعم الوكيل " و هكذا تقريباً كانت جل التعليقات إتجاهاً لا لفظاً و هم الفئة المستسلمة ( الغالبية العظمى ) و اللذين تسببوا و يتسببوا في الدمار التدريجي للإرادة و العزيمة و القضاء على الهمة و الإصرار
و نأتي لثانياً قبل أولاً فالتحرش الجنسي في مصر يحدث في كل مكان بدءاً من الشركات الخاصة و العامة و مروراً بالمواصلات العامة و الخاصة و انتهاءاً بالميادين و الشوارع المزدحمة و خاصة أيام المواسم و الموالد و اللتي يزداد فيها الزحام بشكل كبير هذا بخلاف الشوارع و الأماكن الهادئة أو المظلمة .. إلخ
بإختصار شديد فإن التحرش الجنسي يحدث في مصر من أقصاها إلى أقصاها و لا يمكنني بحال دفن رأسي في الرمال مدعياً أنها إشاعات مغرضة لا يمكن أن تحدث في بلدي الحبيب .. بل إن حبي لبلدي يدفعني دفعاً لنبش عيوبه و إظهارها للشمس لعلها تجفف نداها و تقضي على جراثيمها ... يجب علينا جميعاً كمصريين الإعتراف بأن مصر ككل بلاد العالم تشكو و تئن من مشاكل إقليمية تفرضها ثقافتها الفريدة و موقعها الدولي و العربي و موروثاتها الممتزجة بكل ثقافات شعوبها الغابرة و عاداتهم الجاهلية و الدينية على حد سواء
و للتحرش الجنسي المتفشي في بلادي - بجانب الشذوذ - أسباب لا يتجاهلها إلا أعمى أو ميت منذ قرون و قد عاد لتوه للحياة و أهم هذه الأسباب إن لم يكن أوحدها هو ( أولاً ) الجوع الجنسي أو الشبق أو الشياع أو ما إلى ذلك من مسميات ..
الزواج في الثقافات العربية يعني الإستقرار و تكوين أسرة و تحمل المسئولية بينما الجنس المجرد في الثقافات العربية هو الخطيئة و الذنب و الكبيرة و إنعدام الحياء و السفالة و الإنحطاط و ما أعنيه بالجنس المجرد هنا ليس بالضرورة ممارسته بل مجرد الحديث عنه أو التفكير فيه
و في العادة لا يمكن القول أن الجنس هو هدف أو الهدف من الزواج ( فقط بسبب الحياء ) بينما الحقيقة هي أن الجنس هدف من أهداف الزواج إن لم يكن هو الهدف من الزواج ( من لم يستطع فعليه بالصوم ) و الصوم هنا على من لم يستطع الزواج مما يعني أن الزواج هنا هو الجنس أو من أجل الجنس أو من أهم أهدافه ممارسة الجنس و هو هدف بلا شك نبيل لأن الشهوات بالنسبة للبشر كأجنحة الطائرة المحلقة و اللتي تتسبب في إستقرارها و عدم إضطرابها و الجنس بالنسبة للمجتمع هو صمام أمان يمنع الإنفلات و الفاحشة كالزنا و اختلاط الأنساب
كما أن الجنس ليس فقط جالباً للمتعة بل هو طريق التناسل و باب الأبوة و الأمومة بخلاف كونه مدراً للعطف و المودة بين الزوجين
بينما الجنس بهذه الأهمية و الدور المتعاظم في حياتنا إلا أن المجتمع يرفض مجرد التفكير فيه بل و يجرم الحديث عنه .. مجرد الحديث ............ و النتائج :
الجهل المدقع لدى الجنسين و التستر الشديد و التعتيم على أي حوار أو معلومة جنسية يتناقلها المراهقون و ليس مهماً صحتها أم خطأها كما أن الضرر الناتج عن خطأها ليس مهماً أيضاً
تحول العادة السرية ( نحن متفردون بوصفها السرية و الأسباب واضحة ) إلى عادة قومية أو وطنية
تحول ليلة الزفاف ( ليلة العمر ) إلى خطر داهم و كابوس مخيف يجب الإستعداد له بتناول ما يصل إلى اليد من مخدرات و منشطات و خمور .. حتى الفطرة اللتي من المفترض أنها ستقود تلك الليلة يتم تكذيبها مسبقاً بالمعلومات المغلوطة و الإضافات الحارة لقصص المتزوجون السابقون أو الممارسون
تحول الحياة الزوجية إلى ما يشبه الدوران في حلقة مفرغة فلا جديد نتيجة الزواج و لم يتغير شئ سوى إضافة إنسان جديد إلى مائدة الطعام
الحرمان الجنسي بعد الزواج و هو أخطر ما يمكن حدوثه في المجتمع لأنه يقضي على الهدف الأساسي من الزواج بل و يؤدي إلى ما يؤدي له عدم الزواج من أمراض إجتماعية و لا يمكن إغفال نتائجه من خيانات زوجية بالفعل أو بالفكر .. و يأتي الحرمان الجنسي نتيجة اعتبار الجنس خطيئة حتى بعد الزواج و حصره في مجرد الحصول على المتعة و السلام و غض النظر - جهلاً - عن حقيقة ما أوصى به الدين من مداعبة و ملاعبة و حوار مثير و غيرها من أمور توطد العلاقة الزوجية و التقارب الإنساني بين الزوجين
بمجرد الزواج يبدأ التفكير في الحمل و كيفية حدوثه و ما هي السبل الأكيدة للقضاء على معوقاته بينما الحصول على قسط من ممارسة الحقوق البشرية الشرعية بكافة أشكالها و النهل من كل منابع المتعة و التلذذ بها بعيداً عن حمل هموم الخلف و خلف الخلف لا يُلتفت إليها
لا أدعو لنشر الإباحية و العري و ثقافة البورنو من أجل تثقيف البشر و تعليمهم بل أدعو إلى منهج ديني علمي راقي للتعليم الجنسي و ثقافته .. أو على الأقل أدعو للغة تفاهم صريحة بين الزوجين ليحصل كل منهما على ما يريده و يشتهيه من الآخر فهذا يكرس التفاهم العميق بينهما و يقتل فرص الطلاق أو النفور أو الخيانة الزوجية في مهدها

هناك تعليقان (2):

iman يقول...

وينك

غير معرف يقول...

معاك يا استاذ فى النقطة بتاعت الثقافة الجنسية

أنا من رأيى إن الثقافة الجنسية لازم تكون من جميع الأطراف المربية فى الإطار اللائق من المسجد و المدرسة و البيت , بدال تداول المواضيع بين الأصدقاء و ينجرف لتيار اصدقاء السوء و ادمان الإباحية و الجرى وراء الأحاديث المثيرة و ما إلى ذلك من عواقب منها الشذوذ و غيرها من الكوارث - ربنا يعافينا و أهلينا و جميع المسلمين -