الخميس، فبراير 08، 2007

تغيير الوجدان العربي

عندما كانت مصر ترزح تحت الإحتلال الإنجليزي و من قبله الفرنسي كانت تقوم مقاومات ضد الإحتلال تحت عنوان تحرير الوطن و بغض النظر عن الدين أو العقيدة فقد كانت العقيدة تتركز حول الوطن و تحريره من المحتل الغاصب و العودة للحرية المفقودة
و منذ احتلال فلسطين و حركات المقاومة تمطر الإسرائيليين بهجماتها و دفاعاتها عن وطنها دون اعتبارات مذهبية أو طائفية بل يقف المسيحي بجوار المسلم و يقف الشيعي بجوار السني تماماً كما كان يحدث في مقاومة الإحتلال الإنجليزي في مصر
و قد قامت حرب الثماني سنوات بين العراق و إيران و لم تتأثر وحدة العراق الوطنية و لم تتأثر العلاقات بين الشيعة و السنة العراقيين بطبيعة الحرب ذلك أن إيران الدولة الشيعية لم تنجح في إستقطاب شيعة العراق بجانبها لتحصل على مكاسب إستراتيجية في الحرب
و في لبنان استمرت الحرب الأهلية 15 سنة من 1975 إلى 1990 بين كل الطوائف اللبنانية و لم يستطع صدى الحرب اللتي قامت لتحقيق أهداف سياسية على أسس دينية أن يؤثر في العالم الخارجي أو أن تدفع الطوائف المماثلة لإتخاذ موقف مؤازر للحرب و من ثم إتخاذ موقف عدائي من الطوائف الأخرى
بإختصار فإن كل الحروب و الصراعات العالمية و العربية الإقليمية لم تتخذ الصبغة الدينية الجهادية حتى ظهر نظام طالبان و تنظيم القاعدة على سطح الأحداث الدولية ، فمنذ ذلك الحين تحولت جميع الصراعات اللتي كانت قائمة بالفعل أو اللتي قامت بعد ذلك إلى جهاد و تكفير و إرتبطت بالدين شكلاً و ليس موضوعاً كونها اتخذت من الفكر السلفي الجهادي منهجاً لها
فعلى سبيل المثال لا الحصر ظهرت في مصر صراعات بدأت صغيرة بين المسلمين و المسيحيين و تحولت بفعل الفكر السلفي إلى مذابح أحياناً و معارك ضحاياها بالعشرات في أحيان أخرى .. مصر اللتي لم تعرف التفرقة بين مسيحي و مسلم و يهودي على مدار تاريخها الحديث .. مصر اللتي اختلطت فيها دماء المسلم مع دماء المسيحي عندما أصاب كلاهما رصاص الإحتلال الإنجليزي .. مصر اللتي فتحت ذراعيها عندما كانت دولة قبطية للإسلام و حسن استقباله و مقامه و تحول له معظم الشعب المصري حينئذٍ
ثم ظهرت جماعات التكفير و الجهاد و بدأت عملياتها الإنتحارية أو التفجيرية لتروع الزوار و تقتل المسئولين لإنهم كفار من وجهة نظر السلفية الجهادية !
و الآن في العراق تحول الشعب العراقي الآمن تحت قيادة صدام حسين - رغم إستبداده - إلى شعب غير آمن و متناحر و متطائف و متنابذ تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها من شيعة العراق
و في لبنان استيقظ شعبها على كابوس الطائفية من جديد و محاولة الفكر السلفي الجهادي لنبذ حزب الله اللذي دافع عن أرض لبنان و ترابها و قاوم المحتل و كبده الخسائر و أذاقه ما لم تكن دولة عربية تستطيع إذاقته إياه من آلام و ضحايا و تقويض للأمن و السلامة داخلياً فضلاً عن الصراعات السياسية اللتي نتجت عن فشل جيش الدفاع في تحقيق شيء مما أشعل نيران الحرب لتحقيقه
إن الحقائق على أرض الواقع تنم عن تغلغل الفكر السلفي الجهادي التكفيري في العقول و من ثم محو كل قيمها الحضاية و تحويلها إلى الإحتكام لقانون الغاب و الحكم المطلق بالتكفير و التفسيق و التبديع و هذا كله إن دل فإنما يدل على جهل كل معتنقين هذا الفكر بجوهر الإسلام و سماحته و الإكتفاء بإتباع آراء علماء متطرفون أو علماء سلطة لا يبتغون سوى الصالح الشخصي فبداهة لا يمكن أن يكون إزهاق الأرواح بموجب فتاوى دينية يصب في أي صالح عام بل هو صالح شخصي محض
و كذا فإن الحقائق تشي بأن هؤلاء الجهلة أصحاب العقول المتحجرة و الفكر المتصلب نجحوا بجهلهم في وصم جميع المسلمين بل و الإسلام ذاته بوصمة عار لن تمحى بسهولة من الوجدان العالمي فقد نجح هؤلاء الجهلة في تصوير الإسلام على أنه دين السيف و الدرع و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل حرب نشر دعوته بالسيف و إراقة الدماء و إجبار الناس على الإسلام أو قتلهم و في هذا المعنى تصيد أقلاماً كثيرة في الماء العكر و تكتب ما هو مؤيد مطلق لهذه الصورة المشوهة عن الإسلام فهي فرصة ذهبية لهم لإظهار المسلمين على أنهم سفاحين و إظهار أنفسهم على أنهم ضحايا
و للأسف الشديد فإن حمى التدين إزدادت بشكل غريب على مستوى العالم العربي و على مستوى مصر بصفة خاصة و هي حمى أو أنا أعتبرها كذلك ليس لأني رافض للتدين بل رافض للتدين بهذا الشكل الفارغ من المضمون و التابع لأفكار متطرفة هدامة تبني عقول ستتحول بسببها يوماً ما إلى إجساد متفجرة
لقد ظهرت حمى التدين في معرض القاهرة الدولي للكتاب فحجم مبيعات الكتب الدينية و شرائط فقهاء التيك أواي كان كبيراً بالمقارنة بحجم مبيعات غيرها من الكتب العلمية و الثقافية و بالمقارنة بالسنوات الماضية أيضاً
و تنامى عدد فقهاء التيك أواي أصحاب شرائط الكاسيت اللتي تنتشر كالنار في الهشيم بسبب الجهل و الفقر و اليأس ، و للحكومة المصرية أو الحكومات المصرية المتعاقبة دوراً لا يمكن إنكاره في المساعدة على تفشي الجهل و تفشي ظاهرة فقهاء شرائط الكاسيت فالظروف الإقتصادية للمواطن المصري و اللتي تسير من سيء إلى أسوأ أجبرته على اللجوء للدين و الزهد في الحياة و اللذي هو مجبر عليه شاء أم أبى فليكن الدين إذن أولى به حيث كل شيء محال فحتى الإنحراف صعب و مكلف و لكن الغير مكلف هو الدين و التدين
و لا أعترض مطلقاً على التدين الصحيح اللذي يظهر أولاً في المعاملات و في الضمائر و في التصرفات قبل أن يظهر في الهبوب عند سماع الآذان و الإسراع و الهرولة إلى المسجد و ترك كل شيء هاماً كان أم غير هام ، عملاً كان أو غير عمل لإقامة الصلاة رغم أن غير المتدينين يصلون أيضاً و لكنهم لا يتركون عملهم الهام للحاق بالصلاة فهي ممتدة إلى الآذان التالي ، و أتسائل عن الأطباء الجراحين المتدينين هل يتركوا عملية جراحية أثناء إجرائها للحاق بالصلاة متى سمعوا النداء ؟
إن السيد أسامة بن لادن غرس بذرة التطرف الديني و رعاها حتى نمت و أورقت و نتج عنها تطرف مقابل فإذا كان التطرف الإسلامي يعني الإرهاب فإن التطرف المسيحي يعني الحرب على الإرهاب و لا عزاء للضحايا الآمنين العزل ، و لا أحمل بن لادن وحده مغبة ما آل إليه العالم من فوضي و دموية فهو مجرد ممثل للفكر و رمز له و هو اللذي وضع نفسه في هذا الموضع الشائك و لكن الفكر السلفي الجهادي قائم و متواجد من قبل بن لادن و لكن الأخير عمل على إحيائه
المشكلة الحقيقية في صعوبة محاربة هذا الإتجاه التكفيري فهو رغم تطرفه و عدم منطقيته إلا أنه يرفع شعار الدين و أي مساس بهذا الفكر سيفسر على أنه مساس بالدين ذاته و محاربته و هذا بالتحديد أحد أهم و أمضى أسلحة السلفيين الجهاديين فهم يقفون بسهام القذف بالكفر على مشارف حدود فكرهم و من يجرؤ على مناقشتهم يصبح فوراً فاسق و فاسد و كافر و بالتبعية يباح دمه من يومه و ساعته
و إذا كان الرئيس مبارك صرح بأن الإخوان المسلمين يشكلون خطراً على الأمن القومي المصري فهو صادق و لا مراء لأن الإخوان ليسوا هم ضالة المؤمن بل هم سياسيون مختفون تحت ظل شعار الدين و الهدف النهائي و الأسمى هو السلطة و الحكم ثم تتوالى النكبات فنحن في عالم اليوم لسنا في العصر الذهبي للخلافة الإسلامية بل نحن في أضعف عصور الإسلام في رأيي ليس فقط لأن إسلام اليوم طوائف و مذاهب تتقاتل فيما بينها بل لأن إسلام اليوم قلة مستضعفة حيث تحكم العالم دساتير و قوانين لم تقم للدين - أي دين - وزناً و علمت و أدركت أن أي دولة أو قانون يقوم على أساس ديني سوف يستتبعه بالضرورة و الحتمية تفرقة عنصرية و إضطهاد للأقليات الدينية و من الجائز دموية و رق و عبودية فهذه هي الطبيعة الإنسانية اليوم بعد أن تقلص الإيمان لأدنى مستوياته ، و حتى إذا كان الإخوان المسلمون هم ضالة المؤمن فهم يشكلون خطراً أيضاً إن لم يكن على الأقليات الدينية المصرية فالخطر سيكون حتماً على العلاقات الخارجية مع العالم و على الإقتصاد الداخلي و على البطالة و على التعليم و على جميع المشكلات المزمنة اللتي لم يستطع أي توجه إخواني أو غير إخواني طرح حلول جذرية - و لو نظرياً - لها
و إذا كان السيد الوزير فاروق حسني قد أطلق تصريحاً حورب بسببه حرباً ضروساً فهو أخطأ بتراجعه و إعتذاره رغم أن هذا التراجع و هذا الإعتذار لا يعنيان أن وجهة نظر فاروق حسني قد تغيرت بل يعنيان أن الضغوط عليه هائلة و هذا يعني أن من طالبه بالإعتذار و من قبل إعتذاره جاهل أو غير مثقف أو غير مدرك لمبادئ الحوار و المناقشة المثمرة فهو لم يحاول تغيير رأي الوزير و إقناعه أنه أخطأ بل طلب إعتذاره فقط و أخطأ الوزير بتلبية هذا الطلب و أنا ألتمس له العذر و لكني ألومه لكونه كان قصير النفس في هذا المعترك
في النهاية فإن خشيتي من رد الفعل العكسي على التطرف السلفي الجهادي هي ما دفعني للتفكير و الكتابة لأن التطرف السلفي يقابله تطرف علماني لا ديني و كلاهما فارغ من المضمون فلا التطرف الديني يستند إلى جوهر ظاهر في التعامل و التصرفات و العلم و لا التطرف اللا ديني يستند إلى جوهر ظاهر في التصرفات و كلاهما يمثل فراغ فكري لمعتنقيهم

هناك تعليقان (2):

lastknight يقول...

عفوا سيدى .. لن أسميه التدين لكن لنسميه التطرف .. و أسامه بن لادن ليس أبدا هو من وضع البذره الأصليه .. عفوا .. اسامه بن لادن و القاعده و السلفيين و الجهاد و غيرهم .. هم ثمرة زرع أمتد لفتره طويله طويله فى تاريخ البلاد الناطقه بالعربيه كلها و يهمنا منها مصر على وجه التحديد .. فمنذ بدأ العداء القيادى لكل ماهو غربى فى الخمسينيات باعتبار الغرب هو الشيطان .. ثم تزامن مع ذلك من بزوغ الثروات الريعيه النفطيه فى دول البدو و الصحراء و ماتزامن معه أيضا من هروب الغربيين من مصر مع هروب المصريين أيضا منها لكن ألى الصحراوات النفطيه بدلا من الهروب ألى غرب متقدم .. من هنا كانت البذره الرئيسيه التى تم غرسها .. عاد المهاجرون ألى الصحراء محملين بالثروه و أساليب الحياه الأستهلاكيه و نمط الفكر السطحى تماما .. ليجدوا مجتمعا قد تم تفريغه من كل عناصر التواصل مع الحضاره الحقيقيه فى الغرب .. مجتمعا تم أفقاره و أغراقه فى الديون و تدجينه بالقطاع العام و الوظائف الحكوميه .. و من هنا وفى ضياع القدوه من النسق الأجتماعى .. صار العائدون من الصحراء هم القدوه .. و هم الطبقه الصاعده بأموالها .. و أخلاقياتها .. و من هنا كان أعداد المجتمع كله لأستقبال سطحية التدين .. و من ثم التطرف
عفوا سيدى .. البدايه أقدم من بن لادن .. و الحل سيستهلك الكثير من الزمن حتى تعود بلادنا كما كانت .. ضفة نهر خصيب .. بدلا من صحراء جرداء

Zeus يقول...

شرفتني أيها الفارس القديم

سيدي الفاضل لم أقل أن بن لادن هو الأصل و لكني أشرت لكونه أحد أوضح رموز هذا الفكر .. و هذا الفكر بدأ تصديره خارج الجزيرة العربية منذ الأربعينيات و دخل مصر على يد حسن البنا و بدأ في الإنتشار .. و لا شك أن الأديان لكونها أفيون الشعوب فهي من أكثر الوسائل نجاحاً في حشد الجماهير و حقنهم بأفكار تخدم مصالح شخصية بحتة

و أعتقد أنه بزوال الثروة النفطية سيزول هذا الفكر و ينحسر و لكن بلا توازن فوجود ذلك الفكر مع محدوديته يصنع بعض التوازن الأخلاقي و لكن زواله سيفجر الإنحلال تفجيرا

شكراً لوقتك