الاثنين، ديسمبر 11، 2006

السلام مع إسرائيل .. وسيلة أم غاية ؟ ..الجزء الثاني

خلصنا من الجزء الأول إلى أن الطريق لإنشاء و إعلان دولة إسرائيل كان مفعماً بالتدمير و الإكراه و الإستعمار و طرد أو تغريب أصحاب الأرض الأصليين رغم أني لا أعترف بمبدأ أصحاب أي أرض حيث أن أرض الله ملكاً له و ليست لأحد .. و لو وضعنا مبدأ أصحاب الأرض في الإعتبار سنعود بالتاريخ إلى حيث بدأ و قد لا نجد لأنفسنا أرضاً نعيش عليها
و بطبيعة الحال فإن غرس اليهود بين الشعوب العربية بهذا الشكل و كذلك العقيدة اليهودية و اللتي منحتهم نوعاً من الصلابة في توجهاتهم نحو الإقامة الدائمة على أرض فلسطين .. هذه الطريقة جعلت من اليهود جسماً غريباً يتسلل إلى الجسد العربي و يواجه كل أنواع الدفاع لطرده أو القضاء عليه ، و لا معنى عند العرب لوجود دولة إسرائيل و لا اعتراف الأمم المتحدة بها فكل هذا مجرد شكليات لا تسمن و لا تغني من جوع و لكن جوهر المشكلة ما زال قائماً حيث يقاوم الجسد العربي هذا الجسم الغريب بكل ما يمتلك من وسائل دفاع ، و لكن هل نجحت المناعة العربية في القضاء على الجرثومة أم تغلبت الجرثومة على مقاومة الجسد العربي ؟
الواقع يقول أن الصراع ما زال قائماً و إن كان يتجه نحو تغلب الجرثومة على المناعة العربية بشكل شبه محتوم و لكن قد ينجلي هذا المحتوم بتغيير أطراف المعادلة و من يدري .. فقد تنهار الإمبراطورية الأمريكية فجأة كما إنهارت القيصرية السوفييتية فجأة و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين
و لكن عين الحال تجبرنا على تحليل الواقع لإيجاد أقصى فائدة ممكنة منه .. و كبداية يجب علينا أولاً قبول العزاء في القوميات العربية سواء كانت قومية إسلامية أو فقط عربية أو جغرافية أو حتى معنوية فكلها زالت و انتهت من على أرض الواقع و وجب علينا أيضاً النداء للشعب الفلسطيني و إخباره أنه كان و ما زال و سيظل وحيداً في المواجهة و لا ينتظر من جار عربي قريب كان أو بعيد التعاون اللذي يأمله ، كذلك الشعب العراقي و اللبناني و كافة الشعوب اللتي تعاني من مشكلات إقليمية تستدعي التآخي و لم الشمل العربي .. كلكم عليكم بأنفسكم و فقط أنفسكم فلن تجدوا ما تنتظروا من العرب .. و لا لوم على أي زعيم أو ملك أو أمير عربي في وحدويته و إيثاره لوطنه - أو لنفسه - على الجميع فقد تغير الزمن و تغير الوجدان الإنساني في كافة أنحاء المعمورة .. فقد تركت ثقافات المادية و الماركسية و العلمانية بصماتها السوداء على عقول الكثيرين و تركت لأهم مؤثر في رأيي و هو ( قوة الضعف ) موروث من التراكيب المنطقية لسياسة العالم و توجيهة
و قوة الضعف تتلخص في التأثير على الآخرين بأشكال غير مألوفة لهم من الثقافات .. فاليوم تنتشر غرائب العادات المستوردة في الوطن العربي دون النظر إلى مردودها المستقبلي و آثارها .. تنتشر ثقافات الوجبات السريعة كمطاعم و كسلوك منزلي .. تنتشر ثقافات الإستقلالية و إنكار دور الأسرة في التوجيه .. تنتشر ثقافات العري و السفور و مواجهة الهجوم على ذلك بممارسة الحرية الشخصية .. و الحرية اليوم كلمة إذا ذكرت تقترن بالحضارة و التقدم و بالتبعية فكل من ينكر الحرية في ثوبها الحالي هو رجعي و متخلف و الكثير من الثقافات المشابهة و المستوردة ليس من أمريكا فقط فأمريكا مجرد متأثر بهذه البصمات و لكن من جميع أنحاء العالم الغارق حتى أذنيه في المادية
و حتى لا نخرج عن سياق الموضوع فقد توقفنا عند رؤيتنا الإستقرائية للمصير المحتوم لما أسميناه بالجرثومة الدخيلة على الجسد العربي و هو السلام معها و ليبق الوضع على ما هو عليه حيث تبقى الجرثومة في الجسد دون مقاومة و يبقى الجسد عليلاً دون دفاع .. و هو الوضع اللذي يفرضه علينا الواقع الحالي و لو مؤقتاً فكوننا نواجه شرور هذا الدخيل و من يسانده ليس بالأمر المحبذ لولا فرقتنا ..
و لكن أهم سؤال في هذا الخضم هو هل السلام مع إسرائيل غاية ؟؟ ... في الواقع لا تبدو للدولة العبرية أي ميزة ترفع قليلاً من جاذبيتها لتجمع حولها خاطبي الود و بغض النظر عن الحقائق التاريخية فهي دولة عنصرية من الدرجة الأولى قامت في الأساس على فكرة أيديولوجية خرجت من دين محرف و صدقها و آمن بها كل تابعيه .. و من نفس الدين المحرف تنطلق العنصرية بشكل صارخ لتعلن أن اليهود هم أنقى و أرقى البشر على وجه الأرض لا سيما الإسرائيليين منهم فغير الإسرائيليين ليسوا من الجنس السامي و بالتالي فهم دخلاء على اليهودية
و يبرز هنا تساؤل .. رغم أن اليهودية هي أقدم الديانات الموجودة حالياً أي أن تاريخها زمنياً طويل جداً مما يعني منطقياً تفوق عدد أتباعها على الديانات التالية لها تاريخياً .. فهم يتناسلون كما يتناسل الآخرون و بالتالي فإن المفترض أن يكون عدد اليهود أكبر من عدد المسيحيين و عدد المسلمين .. و لكن الواقع يخبرنا و لا يخلو صوته من الدهشة أن عدد اليهود اليوم لا يتجاوز الخمسة عشر مليوناً .. في حين عدد المسلمين قارب من مليارين أي ثلث سكان العالم ! . و هذا يعني أن معتنقي اليهودية يتناقصون فلماذا ؟؟؟؟؟؟
و بالعودة للسياق مرة أخرى نعود للبحث عن مميزات الدولة العبرية و اللتي من أجلها قد يفكر البعض في عقد سلام عن تراضي معها .. و هو الأمر اللذي يشق علينا كثيراً فبعد تفكير لم أجد للدولة العبرية ما يمكن أن يقال عليه ميزة تسيل لعاب العرب للسلام معها فهي دولة عنصرية كما أسلفنا و مجتمعها يعاني من هذه العنصرية حتى بين أفراده اليهود أنفسهم .. و في مجال التقدم ليست إسرائيل الدولة الأولى تقدماً في العالم اللهم إلا في السموم و الإغتيالات السياسية و العلوم الأمنية و المخابراتية و كل هذا ناتج عن خبرات طويلة في أقصر الطرق للتخلص من العدو و ليس تحويله إلى صديق !
إذن فالسلام مع إسرائيل ليس غاية .. يبقى أن يكون وسيلة .. و هو كذلك بالفعل فمصر لم تسالم إسرائيل إلا من أجل استعادة أراضيها و حقن دماء أبنائها و الأردن سالمت إسرائيل فقط من أجل الخروج من المعادلة فلتعيش إسرائيل في أي أرض تشاء و لتعيش الأردن بعيداً عن صفاقة إسرائيل
و اليوم تبادر السعودية بمقترح سلام مع إسرائيل يجمع معظم الدول العربية في مقابل العودة إلى حدود 67 الفلسطينية و سبحان مغير الأحوال فقد تنازل العرب أو قل الفلسطينيين عن أراضي 48 و هي كل أرض فلسطين و اللتي عليها الآن دولة إسرائيل و بقى العرب في جدال عقيم حول ترسيم حدود 67 و هي تساوي 40 % فقط من أرض فلسطين و قد تتوالى التنازلات فلا عودة للمهجرين الفلسطينيين و لا حق لهم في القدس و قد تتقلص الـ 40 % مستقبلاً أو تختفي
طبيعة الوضع على أرض الواقع تختلف بشكل جذري عن طبيعته على الكي بورد حيث أسجل هذا الموضوع ولكن .. أرى أن الدولة العبرية تعاني الغياب عن الوعي السياسي فلا ترى إلا تحت قدميها و تعتبر أن الوضع السياسي العالمي الحالي وضع مؤبد و هو المحال بعينه فعندما تفقد إسرائيل سندها الوحيد سواء بإنهياره أو بتخليه عنها لن تجد لليهود على الأراضي العربية ديارا .. و قد تتكرر مأساة الهولوكست المزعومة مرة أخرى و لكنها هذه المرة ستقضي على اليهود عن بكرة أبيهم
إسرائيل تقامر اليوم بمصيرها في الوجود غداً و تجعل من استمراريتها تحت ظلال السلام مع العرب ضرباً من المستحيل إذا ما استوحدت في هذا العالم و لا أستبعد أن تكون أوروباً و روسياً أول الطاعنين فيها
و في النهاية فإن السلام مع إسرائيل ليس إلا مجرد وسيلة للعيش فقط سواء للشعوب أو للرؤساء و الغد اللذي يحمل ضعف الأعداء ( و ليس قوتنا ) يحمل معه أيضاً نهاية قاتمة للوجود اليهودي في هذا العالم

ليست هناك تعليقات: