الأربعاء، يناير 03، 2007

في المسئلة الأمريكية

غباء X غباء

لا شك أن إحداث 11 سبتمبر كانت صفعة مدوية على وجه الإمبراطورية الأمريكية ، إنها صفعة أجبرت الكبرياء العسكري و الأمني الأمريكي على الإنحناء و أفاق المارد الأمريكي من سكرته اللتي وضعه فيها وهم القوة اللتي لا تـُقهر و وهم الدولة المحصنة صاحبة أعلى أرصدة في حماية الحريات و بالتالي صاحبة أعلى أرصدة في إحترام العالم لها
و لكن غباء الإدارة الأمريكية في تحليل أسباب الهجمات تجلـّى في ردود أفعالها اللتي اتخذتها لإستعادة كرامتها اللتي حطمها ركام برجي التجارة العالميين ، لقد أصرت الإدارة الأمريكية على علاج الأعراض تاركة الجرثومة المسببة للمرض ترعى في الجسد العالمي غادية رائحة بل و لم تتوقف جهودها الميمونة عند هذا الحد فقد راحت تغذي الجرثومة بشتى الطرق ، لقد كانت أسباب الهجمات واضحة كشمس النهار فإدارة الرئيس بوش اتخذت من نصرة إسرائيل - ظالمة و مظلومة - طريقاً و هدفاً ضاربة بدماء الفلسطينيين عُرض الحائط مما غذى شعور الكراهية لأمريكا و جعلها هدفاً للإنتقام و لو طالت المقاومة الفلسطينية حدود الولايات المتحدة لأمطرتها غزوات
لقد تناست إدارة الرئيس بوش أنها تظلم شعوباً بأكملها بنصرتها لدولة معتدية كإسرائيل و تذكرت فقط أن بعض هذه الشعوب أرادت الثأر و الإنتقام و لو في جنح الظلام و بهجمات إنتحارية و راحت على هذا الأساس تبحث عن هؤلاء المنتقمون و تطاردهم في كل حدب و صوب مدعية أنها تحارب الإرهاب و كان حليف الأمس ( أسامة بن لادن ) هو عدو اليوم و من أجله شردت شعباً بأكمله و قتلت منه المئات لتنال هذا الرجل اللذي اتخذته رمزاً للإرهاب و بأفعالها تلك غذت نزعة الإنتقام و الثأر بشكل أكبر من مجرد نصرتها إسرائيل فها هي تعتدي مباشرة على شعوب مسلمة من أجل الحصول على رقبة رجل واحد و إزدادت الكراهية لأمريكا و ربت و نمت أكثر من ذي قبل
و بنفس مبدأ صديق الأمس عدو اليوم لاح في الأفق الرئيس صدام حسين و جنون الخوف الأمريكي من تقدم العراق العسكري فكان غزو العراق و اللذي كان عارياً من أي غطاء شرعي أو دولي أو أممي و دون حساب الخسائر و الأرباح و دون التعرف - و لو السطحي - على المرجعيات الأيديولوجية للشعب العراقي و تصور الرئيس بوش أن أهل العراق سيتلقون خبر سقوط بغداد بالتهليل و سيستقبلون الجنود الأمريكيين بأكاليل الغار و لكن مرة أخرى يتجلـّى الغباء الأمريكي و ينهار الجيش اللذي لا يُقهر تحت وابل من الهجمات الإنتحارية و السيارات المفخخة و الضحايا بالآلاف في الأمريكان و بمئات الآلاف في العراقيين
و أتت إيران ببرنامجها النووي لتثير حفيظة البيت الأبيض و رغم إعلان طهران عشرات المرات أن برنامجها سلمي إلا أن الحماقة الأمريكية تصر على تصيد الدول الإسلامية الواحدة تلو الأخرى متصورة أنها تقضي على معاقل الإرهاب - غير المسبب بالنسبة لبوش - ، و في الواقع فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي أول من عمل على نقض و تحطيم معاهدة الحد من الإنتشار النووي فبخلاف صمتها عن ترسانة إسرائيل النووية ساعدت و دعمت الهند في تطلعاتها النووية و ما زالت تتعاون معها في هذا الصدد مع العلم أن الهند دولة من المفترض أنها ليست نووية و ليست من الدول الخمس النووية و لكنها من الدول المالكة لأسلحة نووية رغم المعاهدات و رغم أنف مجلس الأمن .. و في المقابل باكستان و هي اللتي دفعت الهند لامتلاك السلاح النووي و بالتالي فإن كوريا الشمالية لها الحق في امتلاك تكنولوجيا الردع النووي في مواجهة الصين و أمريكا و بالتناسب فإن إيران لها الحق أيضاً في المواجهة مع الترسانة الإسرائيلية و بالتبعية ستتولد رغبات في دول الجوار الإيراني لامتلاك التكنولوجيا النووية لمجابهة إيران و لن تنتهي السلسلة
نما العداء بين أمريكا و إيران و باتت إيران من دول محور الشر أو من المغضوب عليهم و رغم هذه العلاقة بين البلدين إلا أن أمريكا - بغباء أيضاً - سلمت السلطة في العراق لإيران بكل بساطة لتتجرع منها كؤوس الخسران يوماً تلو الآخر إن لم يكن على الصعيد العسكري فهو على الصعيد السياسي
و حتى إذا كانت للولايات المتحدة أجندة خفية تحاول تحقيقها بتصرفاتها تلك فقد ألبت بحماقتها العالم عليها و بحماقتها أيضاً خسرت مئات المليارات من الدولارات و اللتي لا أظن أن أجندتها الخفية مهما كانت مربحة سوف تعيد شيئاً منها
و على الصعيد الأمريكي الداخلي إنحاز الرئيس بوش للشركات العملاقة صاحبة الأرقام الفلكية في التبرعات لحملاته الإنتخابية و نسي القاعدة العريضة من الشعب و اللتي منحته و حزبه السلطة في أقوى دول العالم و مما زاد الحنق عليه خسائرة المادية في حروبه الخارجية و اللتي انعكست سلباً على الإقتصاد الأمريكي و ضيقت سبل المعيشة على الشعب الأمريكي فتحول التأييد المطلق للفارس المغوار إلى حنق و جلد و لوم على ما أنتجته قريحته النفيسة من قرارات كانت آثارها مدمرة على الشعب الأمريكي و ظهرت النتائج في الإنتخابات التشريعية لتعلن حقيقة لم تعلنها إستطلاعات الرأي اللتي جاء معظمها مزيفاً و تطيح بالجمهوريين من المجالس التشريعية أملاً في إستعادة بعض ما ضاع من أموال دافعي الضرائب

الإرهاب الإسلامي في مواجهة الإرهاب المسيحي

ليس عندي أدنى اعتراض على إطلاق لفظ " إرهابي " على شخص مثل أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري أو أبو مصعب الزرقاوي فقتل البشر دون القصاص جريمة يعاقب عليها القانون و الدين و الأخلاق و ترويع الآمنين جريمة أكبر و وزر أعظم و إلصاق هذه الجرائم بالدين و تغطيتها بغطاء الشريعة جريمة أخرى في حق الدين و طعن في سماحته و اعتداله و عدله
و عندما يتفضل الرئيس بوش بإعلان نفسه مرسلاً من قبل الرب لنشر العدالة و الأمن في هذا العالم و يتفوه بمسمى ( حرب صليبية ) على الملأ و عندما تكون مرجعيته و دوافعه في حروبه على العرب و المسلمين قائمة على نبوئات العهد القديم و أساطير اليهود و قصة أرض الميعاد المزعومة و عقيدة عودة الماشيح ( المسيح ) المشروطة بتكوين دولة يهودية و اللذي بعودته سينشر العدل و الأمن في العالم و سيقضي على اليهود أو سيدخلهم في المسيحية كما تقول الأسطورة اللتي ذُكرت في العهد القديم تحت عنوان هرمجدون فهو بكل ما سبق و بكل المعاني يقحم الدين في السياسة و يقتل و يروع و يحارب بإسم الدين و لا مراء أن هذا هو عين الإرهاب المسيحي اليهودي
إذن فقد باتت أنواع الإرهاب و مسمياته ترجع إلى العقيدة و لا ترجع إلى الهدف منه سياسياً و أعتقد أن الرؤوس قد تساوت و غدونا كمسلمين فقط نرد فعل ليس أكثر على الإرهاب المسيحي أو الحرب الصليبية .. و هذا المُحرك العقيدي للسيد جورج بوش لا ينم إلا عن غبائه و ضيق أفقه رغم كونه رئيساً لأكثر دول العالم تقدماً و حضارة فمن المفترض أن الولايات المتحدة دولة علمانية تحترم حرية العقيدة أياً كانت و لا تتضمن تشريعاتها كدولة ما يمت بصلة للدين و لكن السيد بوش العبقري أخذ على عاتقه مسئولية تحقيق نبوئة مزيفة و موضوعة و لا يؤمن بها غالبية المسيحيين و كثير من اليهود

إعدام ميت

لم أكن يوماً بعثياً و لن أكون كما أني لم أحمل لصدام حسين أي مشاعر لا سلبية و لا إيجابية و لم أكن من متابعي مسرحية محاكمته إلا من أجل نقدها الفني فقط فلأول مرة تسقط السينما الأمريكية الحكومية هذه السقطات رغم كون العرض من أهم ما يمكن و كان يجب على الفريق الفني المسئول عنه تحري الدقة و المهارة في سبيل إخراج عرضاً مقنعاً على الأقل و ليس كما رأينا من نشاز
لقد كان اعتقال صدام حسين حدثاً هاماً في سياق غزو العراق على اعتبار أن الغزو في حد ذاته لم يكن إلا لتنحية هذا الرجل و إبعاده عن السلطة بل و جاءت الضربة الجوية الأولى للقوات الأمريكية بهدف القضاء عليه و لكنها فشلت
و منذ سقوط بغداد و تحول العراق إلى مستعمرة مات صدام حسين كرئيس و لكنه بقى كإنسان و صفحات غابرة في التاريخ العراقي و بات الهدف الأسمى هو تحويل العراق إلى نموذج عربي يحتذى و يؤثر في دول الجوار بديموقراطيته و حرياته و لكن الحسابات الخاطئة حالت دون ذلك و بات القضاء على صدام بشكل مقنع للعرب هدفاً أمريكياً .. و رغم عدم جدوى إعدامه أو حتى محاكمته فقد استمرت مسرحية المحكمة الهزلية بشهود يتم إخفائهم و قضاة يتم انتقائهم و محامون دفاع يتم اغتيالهم و غيرها من أمور لا تعرف للعدالة طريقاً
و رغم السهولة المتوقعة في إدانة رجل مثل صدام إلا أن الغباء الأمريكي جعل من صدام بطلاً أسطورياً فمر اعتقاله مرور الكرام على الرأي العام العربي و لكن إعدامه أثار الرأي العام و أثار المسلمين السنة ليس في العراق وحدها بل في كل العالم الإسلامي بسبب الغباء الأمريكي أيضاً في اختيار التوقيت و الأشخاص القائمين بعملية الإعدام و اللتي جائت بصورة تبعث على الغثيان فممثلي السلطة و العدالة ظهروا بلثام بينما المجرم و المتهم ظهر سافر الوجه في مفارقة أعطت شعوراً غريباً بأن الأوضاع في العراق معكوسة فالشرعية تـُقتل بأيدي المتهمين الحقيقيين
أعلم أن لثام القائمين بعملية الإعدام كان لإتقاء الإنتقام البعثي و السني منهم فيما بعد و لكن هل هذا يعني أن السلطة في العراق قوية ؟
عملية الإعدام نفسها ظهرت و كأن عصابة تنتقم من شخص و ليسوا أفراد سلطة و ممثلي قانون ينفذوا حكم قضائي عادل و شفاف
لم يكن هناك أي داعي لإعدام صدام حسين و إن كانوا فاعلين فليسجنوه مدى الحياة و لكن إعدامه لم يكن إلا مسمار جديد في نعش الجيش الأمريكي في العراق فصدام مات منذ سقطت بغداد

هناك تعليقان (2):

الزعيـمة يقول...

اذا حاولنا احكام العقل والمنطق
فيما يحدث من حولنا فى الامور السياسية فحتما سنصاب بالجنون

وهكذا على اقل موقف او اتفهه الى اعظم حدث وابشعه تنقلب الامه الى مليون راي وفكر وطائفة وتوجه

منذ لحظة دخول الامريكان للمنطقة كان يجب ان نعلم اننا سنعيش سيناريوهات عديدة اخراجها محبك وانتاجها خليجي وفكرتها خبيثة رديئة

اما مسرحية اغتيال صدام فقد كانت اردئ ما مثلته امريكا واسوء ما آل بالامه العربية والاسلامية

لن يكتب التاريخ الان بنزاهه وحيادية
ولكن فيما بعد سنجني ما اقترفت يدانا ولن ينفع الندم او الحسرة


مدونة رائعه يا ميمس
تمنياتي لك بالتوفيق

Zeus يقول...

" وهكذا على اقل موقف او اتفهه الى اعظم حدث وابشعه تنقلب الامه الى مليون راي وفكر وطائفة وتوجه "

انها العاطفية المقيتة اللتي تغذي كل أفعالنا و تصرفاتنا فعلى الصعيد الداخلي أو الشخصي تقوم الدنيا و لا تقعد إذا لم يزرني فلان معزياً أو مهنئاً و يالها من تفاهة

و على الصعيد الخارجي العام تتولد المحبة و الكراهية من أتفه الأسباب فمن كلمة نقلها البابا عن كتب التاريخ هاج و ماج المسلمون و لأن الشيعة هم من أعدم صدام فهم أعدى الأعداء رغم أن السنة إذا كانوا أعدموه لاختلفت المقاييس

سعدت بمرورك يا مصرية