السبت، مارس 17، 2007

الهروب إلى الجحيم

الهروب إلى الجحيم
تعلمنا منذ الصغر أن الهروب يمثل عار على فاعله فهو يجبن عن مواجهة الواقع فيولي وجهه شطراً آخر و يتجاهل أو ربما يتناسى واقعه اللذي يتهرب منه و قد يكون واقعاً مريراً ناتج عن صلف و غوغائية أدت إليه و بالتالي فالفاعل جدير بالعقاب و بالعثرات اللتي هرب منها و يستحقها عن جدارة و قد يكون واقعاً قدرياً لا دخل للفاعل فيه و لا ناقة له و لا جمل في تقريره و تقديره بل أتى دونما تدخل لا من قريب و لا من بعيد كمن تصدمه سيارة فلا تقتله و لا تتركه يعيش بل تضعه في حال بيني بين الموت و الحياة ليحيا نصف ميت أو نصف حي .. و لا تقتصر حياة النصفية على صدمة السيارة و لا على الأضرار الجسدية المؤلمة و الجارحة بل قد تكون أقل و أخف كثيراً من الأضرار النفسية اللتي هي مثار العلاج و الأبحاث من أقصى الأرض لأقصاها عندما تكون ناتجة عن ضرر جسدي أو معنوي .. و تبقى الأقدار أقوى المسببات لأحوال منتصفي الحياة و منتصفي الموت فحتى من يتصفون بالعناد و الحيوية يصطدمون يوماً ما بحقيقة مريرة عندما يجدون أنفسهم و ربما قلوبهم رهن أيدي الضعاف الغير قادرين على مواجهة الواقع و تحديه .. و قد يكونوا بضعفهم قاتلين لقلوب تعلقت بهم و ما بأيديهم حيلة
هؤلاء الضعاف ليسوا قابلين للتغيير مهما استبد بهم الحال و زاد على كاهلهم الظلم و لا أدري حقاً كيف يستطيعون أن يحيوا هكذا حياة .. لا أدري كيف يتحملوا القمع و فرض الإرادة مهما كان مصدرهما فالظلم و سلب الإرادة حقيقة واحدة أياً كان فاعلها أباً كان أو حكومة أو نظاماً أو قانون .. النتيجة واحدة و شديدة السواد و المرار ... لا أدري كيف لا يثورون لحقوقهم و لتحقيق أبسط آمالهم و تحرير إرادتهم من محتكريها بدعوى الوصاية و المصلحة و العقلانية المزعومة و المنطقية ذات الوجه الواحد .. لا أدري كيف ينظرون إلى حاضرهم و مستقبلهم اللذي لا يُرى فيه خيراً طالما الحياة بالنسبة لهم ما هي إلا إعتماد على الغير ممن يدعمونها بالمال و بالفكر و بالتوجيه و بالنصح .. لا أدري لماذا لا يفكروا ملياً في مواقف قد يفقدون فيها من يعتمدوا عليه للأبد فماذا هم فاعلين ؟
إن الإنسان يأتي إلى الدنيا فرداً و يتركها فرداً و يواجه مصائره الحيوية فرداً حياً و ميتاً و تبقى المنطقية الشخصية و العقلية الفردية الأساس القاعدي في ردود الأفعال الطبيعية و ليس الوصاة هم من يملون علينا تصرفاتنا في المواقف الفردية اللتي تواجهنا كما أن هؤلاء الوصاة ليسو مخلدون في هذه الدنيا و ليس ارتباطنا بهم رباط دموي عضوي حتى لا ينفصل يوماً ما .. هذه هي نظرتي لهؤلاء الضعاف و وجهة نظري في الحياة
و عندما تكون الأقدار هي المسبب الرئيسي لحالة نصف الحياة و نصف الموت يبقى العجز عن تغيير الحال هو الوضع السائد و مهما كنا أقوياء و قادرين على التحكم بإنفعالاتنا نقف أمام القدر عجزة مشلولين مسلوبي الإرادة .... بل أن التخكم القدري المعجز يكون أكثر عمقاً في تأثيره على الأقوياء منه على الضعفاء ذلك أن الأقوياء لا يرضون إلا بما يرضيهم و عندما يصيبهم القدر في مقتل فإن العجز عن مواجهته تترك في أنفسهم جراح عميقة لا تندمل بسهولة و قد لا تندمل أبداً و تصبح من الآثار الغائرة في تكوين شخوصهم و من مقومات بناء فكرهم و قد تذهب إلى جعلهم شخوص مستسلمة غير مبالية و لا آبهة بأي شيء عظم أو صغر فعندما تتحطم الآمال جميعها و تتبخر الأحلام كلها تصبح كل الأرقام مساوية لبعضها و يختفي المنطق الرياضي من حياة الإنسان و تتساوى ردود أفعاله أمام كل شيء فكل شيء سواء
و في النهاية تبرز فكرة الهروب من الواقع المؤلم إلى واقع أكثر إشراقاً و لما كان الأمل في الإشراق بات مقتولاً فلا بأس من خلق واقع خاص جداً مشرق و لو للحظات فليحصل كل منا على حلمه المدمر على طريقته الخاصة إما بالإنحراف أو بالإنتحار فليكن هروباً حتى لو كان إلى الجحيم

هناك تعليقان (2):

iman يقول...

سأتحدث بشكل محايد حتى لا أتهم بالتحيز لأي طرف لا الهاربون ولا المواجهون ثم سأخبرك في النهاية من أنا وإلى أي الفئتين أنتمي

الحرية المطلقة شبه معدمة بالنسبة لأهل هذه الأرض فهناك دائما قيود وحدود لا يمكننا تجاوزها كالقوانين والوصايا والأوامر من السلطات العليا بدءا بولي أمرك كفرد من الأسرة إلى ولي أمرك كفرد من الوطن، تجد دائما من يملي عليك ما تفعله وما لا تفعله ويكون أمامك خياران الطاعة أو التمرد..ولنتحدث عن الأمور المنطقية فقط فلن أدافع عمن يرغبون في تخطي القوانين لإيذاء الغير حيث أن حريتك تتوقف عند حقوق الآخرين..تفرض علينا أحيانا أمور لا نريد القيام بها ولا ضرر في إلغائها ولكننا مجبرين لدينا شخصين فرض عليهما هذا الأمر كتم الأول غيظه وصمت وقام بالمفروض غير راغب متفاديا العقوبات وما سيترتب عن الرفض، وتمرد الثاني وقال لا ولم يفعل ذلك هنا يكون هنا الشخص الثاني هو الفائز فقد قام بما أراد ولكن هل نجا من العقاب؟مهما كانت عواقب الأمر بسيطة فإنها ستؤثر حتما به فهو ليس إنسانا آليا مجردا من المشاعر بل هو كائن حي له قلب نابض قد يتأثر بمجرد كلمة جارحة

تختلف شخصيات الأفراد عن بعضهم البعض وكما ذكرت فالضعفاء هم الهاربون والأقوياء هم المواجهون..هؤلاء الضعفاء لن يمكنهم النوم وهم مجروحون بسبب شيء أرادوه وفعلوه رغما عن السلطات العليا في حين أن الأقوياء لن تهمهم الجروح التي أصيبوا بها فقد كان لهم ما أرادوا وهم سعداء بإثباتهم لرأيهم

وكهاربة من المشاكل والخلافات والكلمات المسمومة فأنا أفضل الاستغناء عن رغباتي والانصياع لأوامر أعلم أنها لن ترافقني إلى الأبد فأؤجل ما أحلم به أو ألغيه نهائيا في انتظار أن أتحرر من هذه القيود التي تملي علي ما أفعل وما أترك..أشعر بالظلم، أشعر بالألم، أشعر بالحزن، لكني أنام مطئنة فهناك عالمي الذي أحقق فيه طموحاتي..هروبي ليس إلى الجحيم فلا أحد يستطيع الوصول إلى عقلي وحبس أفكاري حتى إن كانت مجرد أفكار لم تولد وتخرج إلى هذا الفضاء الواسع..أختي التي هي مواجهة شرسة، لا تنصاع لأية أوامر وتقوم بما تشاء مهما كان الثمن، ومع ذلك لا أشعر بالغيرة منها فهي تعيش في توتر دائم شجارات مستمرة كان يمكنها تفاديها من البداية
لا بأس ببعض التضحية والإيمان بأن الحرية قريبة وسيأتيك يوم تحقق ما تشاء دون آلام
ولن نجد العدالة إلا يوم القيامة

Zeus يقول...

في مثل هذه الأمور لا يوجد تحيز فكلنا في الهم شرق و ليس بيننا من سيكون متحيزاً للهروب و لكن قد يكون بيننا من اعتاد على الهروب أو تمبدأ لديه الهروب ليكون جزءاً من تكوينه النفسي

لا أدري هل الأمل لدى المقهورين في غد مشرق بسام يكفيهم لتقبل العزاء في حريتهم المسلوبة أم أن التأقلم مع فرض الوصاية أصبح عادة مكتسبة و بالتالي فقد بات استسلامهم طبيعياً

و هل أثر استسلامهم في شخوصهم بحيث أصبحوا أشخاص منقادين أم أن فرصة نوال الحرية حينما تحين سينقلبون لسادة إراداتهم ؟

الهروب اللذي هو أحياناً يكون إلى الجحيم أفضل بكثير من التحلي بالأمل الطويل اللذي قد يتحقق و قد لا يتحقق فحياتنا ليست من الطول بحيث يبقى انتظارنا سنين لأمل أضعف من بيت العنكبوت .. إذا كانت الإرادة الحرة تعني الثورة و المشاكل فمرحباً بكِ أيتها المشاكل