الاثنين، مارس 14، 2011

قراءة في ثورة 25 يناير

في حقيقة الأمر أن ثورة 25 يناير لم تتحول بعد إلى ثورة بمعناها السياسي الصحيح فالثورة تسقط نظاماً و تقيم نظام و لكننا ما زلنا حتى اللحظة الراهنة بصدد إسقاط النظام لذلك فهي ما زالت مجرد حركة إحتجاجية ، لكن هذا لا يمنع أن نقول أن الثورات هي أنبل و أشرف التحركات الشعبية نحو غد أفضل فهي الحركة اللتي تأتي دائماً من القاعدة العريضة للشعب و تهدف دائماً لإصلاح جذري سياسي و إجتماعي و إقتصادي في البلد القائمة فيه

و منذ أن بدأت الحركة الإحتجاجية أو الثورة المصرية في 25 يناير و هي تمر بمحطات كبرى و سريعة قد لا يسمح الوقت القصير بإستقراءها بالشكل الكافي كما أن تلك المحطات في الأوقات غير الإستثنائية قد تتطلب شهوراً و ربما سنوات لتتحقق

كما أن هناك ظروف خاصة و عامة ساعدت في إنجاح الثوار و دعمتهم و ساعدت في وصولهم لموقف قوي و واضح على أرض الواقع

من تلك الظروف على سبيل المثال أن شرارة الثورة و عنفوانها إندلعا في أيام يتوسطها عيد الشرطة و لمن لا يعرف فإن عيد الشرطة يستلزم من غالبية أفراد الشرطة تحضيرات للإحتفالات و زيارة معتادة من السيد رئيس الجمهورية و إجراءات تبذل فيها جهود كبيرة من قبل أفراد الشرطة مما ساعد على أن يكون الجهاز الأمني في وقت إندلاع الثورة في أسوأ حالاته العملية على الأرض فالتعب و الإنهاك و السهر الطويل لقوات الأمن المركزي ساعد بشكل كبير على عجزهم عن صد جموع الشباب و بالتالي إضطروا للإنسحاب من أرض المعركة

قد يقال هنا أو هناك أنه كانت هناك خطة تدعى خطة أجاكسي لمواجهة الثورات بإجراءات مضادة كفتح السجون و إنسحاب قوات الأمن و ما إلى ذلك من سيناريو حدث أثناء الثورة و لكني في الحقيقة غير مقتنع كثيراً بتلك النظرية لكون الأحداث كانت سريعة و مفاجأة حتى للثوار أنفسهم

كما أن قوات الأمن كانت على علم بنزول قوات الجيش للمساعدة و الدعم و هو الأمر اللذي يقوض نظرية خطة أجاكسي فتلك الخطة تعتمد على سحب جميع عناصر الأمن من شرطة و جيش و هو ما لم يحدث

و من الظروف المساعدة على إنجاح تلك الثورة أيضاً هو إفتقار هؤلاء الشباب لهدف قومي يجمعهم تحت رايته مما جعل بعضهم يظن أحياناً أنه قد فقد إنتمائه لهذا البلد و مجرد شعورهم بأنهم معاً يواجهون قوة و تنكيل جهاز الشرطة يمنحهم القوة و الحماس خاصة مع تجذر فكرة الخطأ الفادح اللذي تفعله الشرطة بمقاومتهم ، لقد بات هدفهم البعيد - إسقاط النظام - هو الهدف القومي لهم و لقاعدة عريضة من الشعب المصري و نجاح المظاهرة المليونية في حد ذاته هو الدليل الأكبر على قومية هذا الهدف و إلتفاف الكثير من الشعب حوله بل أزعم أن الأغلبية الساحقة من المصريين قد شعروا بقومية هذا الهدف

قامت الثورة في وقت كان التحضير فيه لتوريث منصب رئاسة الجمهورية على قدم و ساق و في تلك النقطة بالتحديد لدي بعض الرؤى الخاصة

فرؤيتي لفكرة التوريث أنها جاءت بداية من قرينة الرئيس كتأمين مستقبلي للأسرة و الأبناء خاصة و الظروف كانت تنبيء بتمرير تلك الخطة ببساطة و يسر لكون مفاتيح التشريع مضمونة و ولائها الأول لأسرة الرئيس فمجلسي الشعب و الشورى حتى بتكوينيهما قبل الإنتخابات يمتلكان أغلبية للحزب الوطني و الحزب في حد ذاته يقبع في جيب الرئيس الأيمن و الجهات الأمنية و المعنية بقمع المعارضة تقبع في جيبه الأيسر و الرأي العام العالمي يعنيه في المقام الأول أمن إسرائيل و مبارك هو أحد أهم ضماناته ، إذن فقضية التوريث محسومة إلى حد كبير و لم يكن يبقى عليها سوى الخطوة الأخيرة و اللتي كانت ستتخذ - في تصوري - حال القضاء على اللغط الدائر حول تزوير الإنتخابات التشريعية الأخيرة و هي خطوة تعيين السيد جمال مبارك نائباً لرئيس الجمهورية

سياسياً هي خطوة لا غبار عليها فالسيد جمال أمين عام مساعد الحزب الوطني و رئيس لجنة السياسات بالحزب كما أنه الحاكم الفعلي لمصر منذ خمس أو ست سنوات فضلاً عن أنه يلازم السيد الرئيس كظله في رحلاته الخارجية الرسمية ناهيك عن تحركاته الداخلية و اللتي تتسم بالحيوية و دعم للطبقة الكادحة شكلاً و ليس موضوعاً حتى أن بعض أصحاب المظالم باتوا مؤخراً يلوذون به لرفع مظالمهم و سواء كان هذا الإتجاه مدبراً أو عفوياً فله تأثير بدرجة ما في تكوين الرأي العام المصري

و لكن جماهيرياً كانت خطوة مرفوضة تماماً خاصة من النخبة المثقفة و المهتمة بالشأن السياسي و لكن هؤلاء قلة بطبيعة الحالة الأمنية كما أن الأمن سيكون كفيلاً بإسكات تلك الأصوات أو على الأقل شرائها و على الجهات الإعلامية مساندة تلك الخطوة في ظل التهليل و التكبير المستمر لحكمة السيد الرئيس في كل حركاته و سكناته

بقى جناح وحيد لم و لن يقبل بأي حال حدوث توريث السلطة و هو الجيش و المخابرات العامة ، الجيش لكونه كمؤسسة وطنية يستشعر وجوب خروج الحاكم من بين أبناءه خاصة و الرئيس مبارك قد نجح نجاحاً باهراً على مدار ثلاثة عقود في إكتساب ولاء المؤسسة العسكرية من ناحية و من ناحية أخرى نجحت تلك المؤسسة في قمع و إسكات القلة من الأصوات المعارضة بداخلها ، و لكن هذا الولاء العظيم لم يكن ليسمح برئيس مدني يقصي المؤسسة العسكرية من مسئلة صنع القرار كما أن الرئيس نفسه لم يكن يأمن توريث نجله و رفع حصيلة إحتمالات قيام إنقلاب عسكري ضده

أما الجانب الآخر من الجناح الرافض للتوريث و هو المخابرات العامة فيأتي رفضه لعلمه اليقيني بحالة الفساد المذهلة اللتي بدأت تستشري في جميع أوصال الوطن كناتج لزواج السلطة مع الثروة و هو إفراز طبيعي لوزارة غالبية وزرائها من رجال الأعمال قام السيد جمال مبارك بنفسه بإختيارهم و وضع كل منهم في منصبه المناسب ، كانت المخابرات على علم بكل حالات الفساد و لكنها لم تستطع إزاء تلك المفاسد إلا الصمت نظراً لكون المتورط بعيد كل البعد عن أن يدخل قفص الإتهام

لكن الضغوط الأسرية على الرئيس مبارك لإعلان نيابة نجله في منصب الرئاسة كانت شديدة ، و كان الرئيس نفسه يرفض تلك النيابة و يضع بدائل لها لأنه كان يخشى اللحظة اللتي وصلنا إليها الآن ( ليس هذا دفاعاً عن الرئيس مبارك و كنها رؤيا قد تخطيء و قد تصيب )

و قد جاءت إنتخابات مجلس الشعب الأخيرة لتكون القشة اللتي قصمت ظهر البعير و تكون الشرارة اللتي أشعلت نيران الثورة في صدور المصريين و ألهبتها خاصة و قد جاءت ثورة الياسمين في تونس لتعلن بوضوح أن الشعوب العربية ما زالت حية و تستطيع الرفض و الإعتراض ، و تعالت أصوات داخل مصر ليست فقط من تلك الرافضة لتزوير إرادة الأمة و لكنها تلك اللتي تعلن أن الشعب المصري ليس أقل شجاعة من الشعب التونسي و من هنا بدأ الغليان و الثورة

كالعادة بدأ السيد حبيب العادلي في مواجهة الثورة بأساليبه البدائية المعتادة ، و هنا لي ملحوظة ليس فقط على حبيب العادلي و لكن على النظام برمته فالملاحظ قبل و بعد قيام الثورة أن النظام يستخدم أساليب القرن التاسع عشر في مواجهة فكر و توجهات القرن الحادي و العشرين و هو الأمر اللذي تثبت شدة غرابته أن الهدف من المواجهة ليس العلاج و إنما كسب الوقت فرغم وجود قيادات شابة و منفتحة كالسيد جمال مبارك في الحزب الوطني إلا أن التعاطي مع المشاكل و الأزمات ما زال يفتقر إلى التناسب مع الحدث فالسيد حبيب العادلي واجه الفكر بالقوة و واجه الرأي المعارض بالرصاص المطاطي رغم أن المنطق السياسي يقر بأن القمع لن يبدل الرأي و لكنه قد يسكته لفترة أو يمنحه الوقود ليشتعل

كانت المواجهة الغير متكافئة بين قوات أمن منهكة و لم تنم لخمسة أيام و بين محتجين ألهب صدورهم الظلم و الشعور المهين بالتهميش و ظلام المستقبل فكانت النتيجة الحتمية بالإنتصار للطرف الأقوى فكراً و حجة

و هنا حدثت ثلاثة أمور في تصوري

الأول هو الهلع و الرعب اللذي أصاب قوات الأمن من الأمر الواقع اللذي فوجئوا به و هو أنهم محاصرين و غير قادرين على المواجهة بل و مهددين بالتنكيل و هو ما دفعهم للإنسحاب الفوري و الغير منظم من أرض المعركة - إذا صح التعبير - و العودة لثكناتهم ذلك رغم الأمر الواضح - كما علمنا فيما بعد - بتلسيم تأمين البلد لقوات الجيش

الثاني هو الذهول اللذي سيطر على النظام و تداعيات الثورة التونسية و إجبار الرئيس بن علي على الرحيل أو الموت و قد طالت الفترة اللازمة لزوال هذا الذهول ليحل محله القلق على الحياة و المستقبل و وجوب إعلان موقف طال إنتظاره حتى ساعات فجر السبت الأولى و هو خطاب السيد الرئيس الأول

الثالث هو أيضاً ذهول المحتجين و حيرتهم بعد أن وجدوا أنفسهم منتصرين في معركة لم يختاروها و لم يسعوا للنصر فيها فكانت الحيرة بالغة لتحديد الخطوة التالية

و قد جاءت الخطوة التالية بأسرع مما توقع الجميع ، فبدأ الحانقين و الكارهين للنظام و رموزه في تحطيم و إشعال كل ما يمت للنظام بصلة في غياب أهم أذرع النظام و هو الأمن و باتت الحيرة بالغة بين حماية الأملاك العامة للدولة و بين القضاء على ممتلكات رجال الأعمال الفاسدين اللذين إمتصوا دماء الغالبية العظمى من الشعب المصري العظيم

على الجانب الآخر وجد الكارهين لجهاز الشرطة - و هم أغلبية ساحقة - في أيديهم الفرصة الذهبية للإنتقام فراحوا يأخذون بثأرهم ممن أهانوهم و عذبوهم و أذلوهم و حاصروا أقسام الشرطة و بعضهم ذبح و قتل بعض أفراد الشرطة إنتقاماً لذاكرة مثقلة بإهانات و تعذيب فاض الكيل منه و بالتالي إضطر كل من يرتدي زي الشرطة إلى الإنسحاب خوفاً على حياته

تبقى أمامي علامة إستفهام كبيرة تدور حول السبب و المتسبب في فتح السجون و أرى نظرياً أن المتسبب في فتح السجون هم أهالي المساجين و إن كنت غير مقتنع تماماً بذلك التفسير و لكنه منطقي إلى حدٍ ما

و في تلك الليلة تفتقت قريحة السيد حبيب العادلي عن حل مذهل يتلخص في ترويع الناس و حملهم على الإختيار بين القمع و الذل مع الأمن و الأمان أو الحرية مع الخوف و الإرهاب .. و كما ذكرت سابقاً فتلك العقلية اللتي تعود للقرن التاسع عشر لا تتناسب مع عقلية القرن الحادي و العشرين مما كشف المخطط الساذج أمام الشعب الناضج الواعي بل و إنقلب السحر على الساحر حينما كشفت اللجان الشعبية عن أن غالبية من قاموا بإطلاق الرصاص و السلب و النهب هم من عناصر الشرطة أو من عناصر أمن الدولة

إلى هنا تبلورت على أرض الواقع خمسة قوى تتحكم في المشهد الوطني إحداهم شرعية و الباقيات يفتقرن للشرعية

القوة الأولى هي قوة الشعب و بناءاً على المادة الثالثة من الدستور و اللتي تنص على :

المادة (3)
السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين في الدستور.

فقد باتت القوة الوحيدة الشرعية تسحب السلطة الممنوحة لرئيس الجمهورية منه بموجب حقها الدستوري في منح أو منع السلطة و من خلال شعار موحد و رنان " الشعب يريد إسقاط النظام "

و القوة الثانية و هي غير شرعية بناءاً على ما تقدم هي السلطات المتمركزة في يد السيد محمد حسني مبارك بصفته رئيس الجمهورية تحت حماية و دعم القوة الثالثة و هي القوات المسلحة و هي القوات اللتي كان من المفترض أن تحمي الدستور و تقف في جانب الشرعية الدستورية لا في جانب الرئيس المخلوع

و القوة الثالثة كما أسلفت و هي القوات المسلحة صاحبة السيادة الآن على الأرض و صاحبة الخيار في حماية الشرعية الدستورية أو حماية و دعم الرئيس المخلوع

و القوة الرابعة و هي قوة رجال الحزب الوطني و قد فصلت تلك القوة عن قوة الرئيس المخلوع لسببين :

الأول أن الرئيس المخلوع يحظى بدعم القوات المسلحة لكونه أولاً أحد رموزها و أحد أبطال حرب أكتوبر و ثانياً لأن القوات المسلحة لن تمنح دعمها لرجال الحزب الوطني لما تقدم من أسباب مفادها أنها - أي القوات المسلحة - لا ترغب في تولي أحد هؤلاء زمام الأمور كخليفة للرئيس المخلوع

أما القوة الخامسة و هي المخابرات العامة ممثلة في السيد عمر سليمان فتلك القوة حتى هذه اللحظة دورها يقتصر على المراقبة و التسجيل لكون المتهم الرئيسي كما ذكرت بعيد كل البعد عن الدخول في قفص الإتهام

و بدأت القوى الخمسة في التحرك لمواجهة الأزمة

فقام الرئيس المخلوع كرد فعل بدائي معتاد و لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بتعيين السيد عمر سليمان نائباً له و هو أحد البدائل اللتي ذكرتها قبلاً في حالة تأزم الأمور و إنسداد الطرق المؤدية للتوريث كما قام بإقالة وزارة رجال الأعمال السيئة السمعة و كلف الفريق أحمد شفيق بتشكيل وزارة جديدة و قام كذلك بإقالة السيد أحمد عز من الحزب الوطني

و هنا لنا ثلاث وقفات

الأولى مع السيد عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة منذ 17 سنة و المدرك تماماً نتائج فساد رجال الحزب الوطني على الأمة و على مقدرات الشعب و هو الرجل المرعب كما وصفته وثائق ويكيليكس ، هذا الرجل لا غبار عليه كشخص وطني مؤمن بشرعية مطالب الشعب و لكن هناك فرق بين منصب أمني رفيع كمنصب رئيس جهاز المخابرات العامة و منصب سياسي كمنصب نائب رئيس الجمهورية فتعيينه في هذا المنصب أكسبه حتمياً صبغة النظام الحاكم و جعله جزء من المعادلة السياسية المرفوضة جملة و تفصيلاً في الشارع المصري و كذلك أجبره هذا التعيين على التماهي بشكل أو بآخر مع السياسات المتبعة من خلال النظام الحاكم في مواجهة الشعب و قد يكون قبوله لمنصب نائب الرئيس مسئلة حياة أو موت للرئيس المخلوع أو حتى لإستقرار الوطن و لكن المؤكد أنه بقبوله ذلك المنصب يزج بنفسه في خضم من الظنون و الشك و الريبة قد يفقد فيه تاريخه المشرف في خدمة هذا الوطن

و رغم دخول الرجل في معترك السياسة الخارجية في فلسطين و السودان بل و منافسته أحياناً للسيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية المصري إلا أن ممارسته للسياسة كانت تبتعد به دائماً عن الشأن الداخلي و هو الأمر اللذي جعله الرجل المجهول لقاعدة من الشعب المصري و قد لا يأتي هذا الغموض في صالح مستقبله السياسي

و الثانية مع الفريق أحمد شفيق وزير الطيران المدني و هو رجل لا غبار عليه أيضاً و جدارته يعرفها القاصي و الداني خاصة في تطوير و النهوض بمصر للطيران و هو كشخص محترم إلى أبعد الحدود و لكن إختياره كرئيس للوزراء لم يكن يرتكن لكفاءته المعروفة و لكن لكونه أهلاً للثقة من ناحية و من ناحية أخرى لكونه رجل عسكري مثله في ذلك مثل اللواء عمر سليمان و هي نفس العقلية و نفس الفكر اللذي يتعامل مع الشعب المصري منذ ثلاثة عقود و قد اورثنا الضياع

قد تكون تلك التعيينات إن جاءت في وقت مبكر تستحق الإحترام و منح الفرصة لجني الثمار و لكن توقيتها جاء كالعادة بعد فوات الأوان

أما الوقفة الثالثة فهي مع إقالة السيد أحمد عز من الحزب الوطني و هي أقالة تلاها تحميل الرجل كل تبعات ماحدث - كما جاء على لسان رجال الحزب الوطني - و هو تصرف معتاد من النظام اللذي يبحث دائماً عن كبش فداء لإنقاذ نفسه و رمي المسئولية بعيداً عنه و أنا أعترف بكل صراحة أن كبش الفداء هذه المرة كان عجلاً حنيذاً

و لكن النظام شعر أن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ بل أن الإحتقان يزداد فإضطر النظام إلى رمي آخر ورقة يستطيع اللعب بها ( بإرادته ) و هي تعديل المادتين 76 و 77 من الدستور

نعود هنا إلى تحرك القوى الخمسة كل في إتجاهه و صالحه و قد كانت أكثر هذه القوى تحركاً و تأثيراً هي قوة رجال الحزب الوطني فبمجرد تعيين اللواء عمر سليمان في منصب نائب رئيس الجمهورية تعرض في ذات اليوم لمحاولة إغتيال فاشلة ( نفتها وسائل الإعلام الحكومية ) و هو ما يوضح رفض نجل الرئيس لضياع المنصب منه بل و سعيه لإخلاء الساحة ممن يمكن الوثوق فيهم للإرتقاء لهذا المنصب

ثم تحركت نفس القوة لتحاول فض الإعتصام في ميدان التحرير بأساليبها المعهودة فبمجرد إنتهاء الرئيس المخلوع من خطابه المغرق في العاطفية و الهادف لإستمالة قلوب المصريين لا عقولهم إنطلق رعاع الحزب و بلطجيته لضرب و ترويع المعتصمين في ميدان التحرير و كانت نجاح تلك المحاولة في فض الإعتصام سيكون أمام الرأي العام نتيجة طبيعية لخطاب الرئيس المخلوع العاطفي و اللذي بدوره أقنع الجموع المحتشدة في فض إعتصامهم .. و لكن فشلت الخطة

و هنا إنتقلت الأمور لمرحلة أخرى خطيرة فالخطاب العاطفي للرئيس المخلوع بالفعل أقنع الكثيرين بالكف عن الإحتجاج لكن ما تلاه من قتل و ترويع أذاب هذه القناعة و حولها إلى إصرار على الإستمرار فكانت أفعال رجال الحزب وبالاً على الرئيس المخلوع

فبدأ الإنهيار و أجبر الرئيس المخلوع من قبل نائبه المدرك لما يدور حوله على تصفية الحزب الوطني تقريباً من ضلوعه و على إقالة نجله من أمانة السياسات و هو أول تصرف يجبر مبارك إجباراً على القيام به و هو سياسياً يصب في صالح عمر سليمان و يمنح موقفه المزيد من القوة و يدعمه بالمزيد من القيادة و يفتح بالتالي ملفات فساد كان مسكوتاً عنها و لكنه بالتأكيد لن يفتح جميع الملفات

إلى هنا توقف المشهد السياسي عند هذا الحد و بقى أمران قليلا الأهمية و هما منع بعض الوزراء من السفر و تجميد أرصدتهم و هي أمور ضرورية لمنح الحكومة الجديدة الثقة و المصداقية في محاربة الفساد و لكن النتائج النهائية لهذا المنع و ذلك التجميد قد لا تكون بالقوة المأمولة

الأمر الآخر هو حوار بعض رموز المعارضة و جماعة الإخوان المسلمين مع نائب الرئيس و هو أيضاً أمر يفتقر للأهمية لأن المعروض من ثمار لذلك الحوار هو خيارات محدودة للغاية و قد يكون اشترك من اشترك في هذا الحوار لمجرد جني بعض المكاسب السياسية متسلقين في توجههم هذا جدران الثورة الشعبية الجارفة

بقى أن أقول أن بقاء الوضع على ما هو عليه أي إعتصام المعتصمين لفترة طويلة سيفقد الثورة بريقها بل قد يفقدها القدرة على الفعل و بالتبعية سيفقدها صفتها ( الثورة ) و تنتهي في أفضل الأحوال كحركة إصلاحية جاءت و ذهبت دون تأثير آني قوي في المشهد السياسي المصري
نشرت بتاريخ 7 فبراير 2011

ليست هناك تعليقات: