الأربعاء، ديسمبر 13، 2006

السلفية مرة ثالثة

في خبر جاذب للإنتباه على موقع الجزيرة يدعو علماء و مثقفون سعوديون إلى دعم أهل السنة في العراق ضد الشيعة
وصلة الخبر :
و في متن الخبر تجد مسميات غليظة من عينة ( الروافض ، الصفويون ، الشيعة .. ) و في المقابل في تعليقات القراء تجد الرد حاضر ( الوهابيون ، النواصب ، السلفيون ، السنة .. ) و هكذا .. بالطبع لا يخفى على طفل صغير يتابع الحراك السياسي العربي طبيعة الصراع الأزلي بين السعودية و إيران منذ حرب العراق و إيران و حتى الآن و التصفيات الطائفية في العراق و اللتي لا تفرق بين شيعي و سني و مسيحي و غيرهم
ما زالت المملكة العربية السعودية تعيش في العصور الوسطى بل تعيش في عصور ما قبل التاريخ و كذلك علمائها الأفاضل فلم تؤثر الحداثة و دولة المؤسسات و ينابيع النفط اللتي لا تنضب و أنهار الأموال الجارية و قنوات الـ sex العربية لأصحابها من أمراء المملكة الغراء .. لم يؤثر رفض غالبية العلماء لفتاوى علماء السلفية .. لم يؤثر تمرد عامة المسلمين على فتوى بن جبرين المشهورة بتحريم الدعاء أو نصرة حزب الله على اليهود .. لم تؤثر فضيحة صفقة الأسلحة البريطانية و الرشاوى و العمولات .. كل مستحدثات العصر و مقوماته لم تثر في الوجدان القبلي البدوي السعودي شيئاً و لم تغير نظرته المقيتة للعالم فما زالت السعودية تنظر لإيران نظرة الطائفية و المذهبية
من الواجبات الأساسية على المسلم إحترام علماء الدين و لكن ماذا لو وضع العلماء أنفسهم في غير موضع الإحترام ؟ و ماذا يفعل المسلم حيال ذلك ؟
إن نظرة سريعة على حوارات المنتديات العربية تشي بحال العرب المتردي إلى الهاوية فالصراع في العراق تحول على المنتديات إلى صراع طائفي مذهبي .. السني يتعصب لمذهبه منتقداً الشيعي و الشيعي يبادله نفس الدور و يرتكن الجميع إلى الوضع في العراق
و لكن هل النظرة السعودية للعراق حريصة فقط على أهل السنة هناك أم أن لها أبعاداً سياسية أخرى ؟
لا شك أن بعض العلماء تحركهم السلطة لا سيما في السعودية فقد أتحفونا بفتوى تحرم مقاومة الأمريكان في العراق ثم تلتها فتوى تبيح جهاد المحتل الغاصب و يتم صناعة الفتاوى في السعودية حسب الطلب السياسي و لا يهم تأثيرها أو إنعكاساتها على التابعين المخلصين و اللذين يظنون بالعلماء حسن الظن
بينما أصبح الدين و شريعة الله عُرضة للنقاش و الجدال و الإعتراض من المثقفين و الفنانين أتى من يهاجم هؤلاء المتشدقين بالدين دونما علم به و الآن و نحن نستمع لعلماء من أطهر بقاع الأرض ، أرض الرسالة .. أرض تحمل على سطحها الكعبة المشرفة و قبر الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم .. أرض يقصدها طوال أيام السنة آلاف من المسلمين للحج أو للعمرة .. هؤلاء العلماء لا يقيمون للسلف الصالح وزناً رغم رفعهم شعار السلفية .. و لا يعتبرون بآراء الأئمة الأربعة و يقولون هم رجال و نحن رجال .. لذلك خرجت من بين أناملهم فتاوى مهدت لاقتلاع الإسلام من جذوره على أيدي الأمريكان و الأوروبيين .. فتاواهم اللتي أنجبت أسامة بن لادن و الزرقاوي و جماعات التكفير و الجهاد و نتج عنها 11 سبتمبر أو هكذا قيل .. و هكذا ألبت فتاواهم العالم كله على الإسلام و من يعتنقه رغم أن المشكلة أبداً لم تكن في الدين بل فيمن يعتنقه و يعمل به و يوظفه لخدمة غرض شخصي أو قضية قومية في حين لم يكن للدين وزراً و لا دوراً في قتل الأبرياء و ترويع الآمنين و سفك دماء المدنيين بما فيهم من نساء و أطفال و شيوخ و عجزة
لقد خرج التشدد إن لم يكن الإرهاب من قلب الجزيرة العربية رغم ثرائها المادي و لعل الثراء كان دافعاً للقتل و لم يكن دافعاً للعلم و التعلم
أقول لهؤلاء المثقفون و العلماء أفيقوا و انهضوا من غفوتكم بل غيبوبتكم اللتي دخلتموها منذ قرون و تأبون الإفاقة فها هو العالم يتقدم و يتعلم و يرتقي و أنتم تبتاعون الحضارة بنقودكم لا تولون صنعها اهتماماً فقط تشترون و لا تبالون .. أقول لهم إن إيران اللتي تصمونها بالشيعية و كأنها وصمة عار قد توصلت لتخصيب اليورانيوم و ستتوصل حتماً للسلاح النووي و أنتم تزجون إوار نيران الفتنة اللتي ستأكلكم في النهاية فما بين متشدديكم و ما بين السلطات ما صنع الحداد و ما أنتج نافخ الكير من سعير ، و ها هو حزب الله اللذي حرمتم مجرد الدعاء له يهزم إسرائيل اللتي تستبيح أعراض العرب بلا حسيب و لا رقيب فأين أموالكم من هذا .. أين نفطكم و حصائل سياحة الحج و العمرة أين مساعداتكم للمسلمين يا أهل الحرمين الشريفين ؟
سادتي العلماء إننا في زمن العلم و التقدم .. نحن نحيا في عالم تحكمه دساتير و قوانين لم تستق موادها لا من القرآن و لا من السنة و هو واقع الحال للأسف فلنتعايش مع واقعنا و نتأقلم معه فرفضنا له لن يزيدنا إلا خسراناً و دماءاً زكية تسفك على خلفية الجهاد .. ليس للفوارق المذهبية أي تأثير في أنظمتنا الدولية فحتى مملكتكم السعودية تنصلت من ألقاب أرضها المباركة و حولتها إلى ملكية خاصة لآل سعود و تنازلت عن الخلافة و الحكم الإسلامي و حولته إلى مملكة فإن كنتم مصلحين فلتصلحوا ذات بينكم قبل أن تصلحوا غيركم و الأفضل ألا تراقبوا أخطاء العالمين و لكن تطلعوا لتفوقهم و حاكوه لعلكم ذات يوم تذكرون على صفحة ذهبية من صفحات التاريخ بدلاً من ذكركم في عناوين صفحات جرائم التاريخ

الاثنين، ديسمبر 11، 2006

السلام مع إسرائيل .. وسيلة أم غاية ؟ ..الجزء الثاني

خلصنا من الجزء الأول إلى أن الطريق لإنشاء و إعلان دولة إسرائيل كان مفعماً بالتدمير و الإكراه و الإستعمار و طرد أو تغريب أصحاب الأرض الأصليين رغم أني لا أعترف بمبدأ أصحاب أي أرض حيث أن أرض الله ملكاً له و ليست لأحد .. و لو وضعنا مبدأ أصحاب الأرض في الإعتبار سنعود بالتاريخ إلى حيث بدأ و قد لا نجد لأنفسنا أرضاً نعيش عليها
و بطبيعة الحال فإن غرس اليهود بين الشعوب العربية بهذا الشكل و كذلك العقيدة اليهودية و اللتي منحتهم نوعاً من الصلابة في توجهاتهم نحو الإقامة الدائمة على أرض فلسطين .. هذه الطريقة جعلت من اليهود جسماً غريباً يتسلل إلى الجسد العربي و يواجه كل أنواع الدفاع لطرده أو القضاء عليه ، و لا معنى عند العرب لوجود دولة إسرائيل و لا اعتراف الأمم المتحدة بها فكل هذا مجرد شكليات لا تسمن و لا تغني من جوع و لكن جوهر المشكلة ما زال قائماً حيث يقاوم الجسد العربي هذا الجسم الغريب بكل ما يمتلك من وسائل دفاع ، و لكن هل نجحت المناعة العربية في القضاء على الجرثومة أم تغلبت الجرثومة على مقاومة الجسد العربي ؟
الواقع يقول أن الصراع ما زال قائماً و إن كان يتجه نحو تغلب الجرثومة على المناعة العربية بشكل شبه محتوم و لكن قد ينجلي هذا المحتوم بتغيير أطراف المعادلة و من يدري .. فقد تنهار الإمبراطورية الأمريكية فجأة كما إنهارت القيصرية السوفييتية فجأة و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين
و لكن عين الحال تجبرنا على تحليل الواقع لإيجاد أقصى فائدة ممكنة منه .. و كبداية يجب علينا أولاً قبول العزاء في القوميات العربية سواء كانت قومية إسلامية أو فقط عربية أو جغرافية أو حتى معنوية فكلها زالت و انتهت من على أرض الواقع و وجب علينا أيضاً النداء للشعب الفلسطيني و إخباره أنه كان و ما زال و سيظل وحيداً في المواجهة و لا ينتظر من جار عربي قريب كان أو بعيد التعاون اللذي يأمله ، كذلك الشعب العراقي و اللبناني و كافة الشعوب اللتي تعاني من مشكلات إقليمية تستدعي التآخي و لم الشمل العربي .. كلكم عليكم بأنفسكم و فقط أنفسكم فلن تجدوا ما تنتظروا من العرب .. و لا لوم على أي زعيم أو ملك أو أمير عربي في وحدويته و إيثاره لوطنه - أو لنفسه - على الجميع فقد تغير الزمن و تغير الوجدان الإنساني في كافة أنحاء المعمورة .. فقد تركت ثقافات المادية و الماركسية و العلمانية بصماتها السوداء على عقول الكثيرين و تركت لأهم مؤثر في رأيي و هو ( قوة الضعف ) موروث من التراكيب المنطقية لسياسة العالم و توجيهة
و قوة الضعف تتلخص في التأثير على الآخرين بأشكال غير مألوفة لهم من الثقافات .. فاليوم تنتشر غرائب العادات المستوردة في الوطن العربي دون النظر إلى مردودها المستقبلي و آثارها .. تنتشر ثقافات الوجبات السريعة كمطاعم و كسلوك منزلي .. تنتشر ثقافات الإستقلالية و إنكار دور الأسرة في التوجيه .. تنتشر ثقافات العري و السفور و مواجهة الهجوم على ذلك بممارسة الحرية الشخصية .. و الحرية اليوم كلمة إذا ذكرت تقترن بالحضارة و التقدم و بالتبعية فكل من ينكر الحرية في ثوبها الحالي هو رجعي و متخلف و الكثير من الثقافات المشابهة و المستوردة ليس من أمريكا فقط فأمريكا مجرد متأثر بهذه البصمات و لكن من جميع أنحاء العالم الغارق حتى أذنيه في المادية
و حتى لا نخرج عن سياق الموضوع فقد توقفنا عند رؤيتنا الإستقرائية للمصير المحتوم لما أسميناه بالجرثومة الدخيلة على الجسد العربي و هو السلام معها و ليبق الوضع على ما هو عليه حيث تبقى الجرثومة في الجسد دون مقاومة و يبقى الجسد عليلاً دون دفاع .. و هو الوضع اللذي يفرضه علينا الواقع الحالي و لو مؤقتاً فكوننا نواجه شرور هذا الدخيل و من يسانده ليس بالأمر المحبذ لولا فرقتنا ..
و لكن أهم سؤال في هذا الخضم هو هل السلام مع إسرائيل غاية ؟؟ ... في الواقع لا تبدو للدولة العبرية أي ميزة ترفع قليلاً من جاذبيتها لتجمع حولها خاطبي الود و بغض النظر عن الحقائق التاريخية فهي دولة عنصرية من الدرجة الأولى قامت في الأساس على فكرة أيديولوجية خرجت من دين محرف و صدقها و آمن بها كل تابعيه .. و من نفس الدين المحرف تنطلق العنصرية بشكل صارخ لتعلن أن اليهود هم أنقى و أرقى البشر على وجه الأرض لا سيما الإسرائيليين منهم فغير الإسرائيليين ليسوا من الجنس السامي و بالتالي فهم دخلاء على اليهودية
و يبرز هنا تساؤل .. رغم أن اليهودية هي أقدم الديانات الموجودة حالياً أي أن تاريخها زمنياً طويل جداً مما يعني منطقياً تفوق عدد أتباعها على الديانات التالية لها تاريخياً .. فهم يتناسلون كما يتناسل الآخرون و بالتالي فإن المفترض أن يكون عدد اليهود أكبر من عدد المسيحيين و عدد المسلمين .. و لكن الواقع يخبرنا و لا يخلو صوته من الدهشة أن عدد اليهود اليوم لا يتجاوز الخمسة عشر مليوناً .. في حين عدد المسلمين قارب من مليارين أي ثلث سكان العالم ! . و هذا يعني أن معتنقي اليهودية يتناقصون فلماذا ؟؟؟؟؟؟
و بالعودة للسياق مرة أخرى نعود للبحث عن مميزات الدولة العبرية و اللتي من أجلها قد يفكر البعض في عقد سلام عن تراضي معها .. و هو الأمر اللذي يشق علينا كثيراً فبعد تفكير لم أجد للدولة العبرية ما يمكن أن يقال عليه ميزة تسيل لعاب العرب للسلام معها فهي دولة عنصرية كما أسلفنا و مجتمعها يعاني من هذه العنصرية حتى بين أفراده اليهود أنفسهم .. و في مجال التقدم ليست إسرائيل الدولة الأولى تقدماً في العالم اللهم إلا في السموم و الإغتيالات السياسية و العلوم الأمنية و المخابراتية و كل هذا ناتج عن خبرات طويلة في أقصر الطرق للتخلص من العدو و ليس تحويله إلى صديق !
إذن فالسلام مع إسرائيل ليس غاية .. يبقى أن يكون وسيلة .. و هو كذلك بالفعل فمصر لم تسالم إسرائيل إلا من أجل استعادة أراضيها و حقن دماء أبنائها و الأردن سالمت إسرائيل فقط من أجل الخروج من المعادلة فلتعيش إسرائيل في أي أرض تشاء و لتعيش الأردن بعيداً عن صفاقة إسرائيل
و اليوم تبادر السعودية بمقترح سلام مع إسرائيل يجمع معظم الدول العربية في مقابل العودة إلى حدود 67 الفلسطينية و سبحان مغير الأحوال فقد تنازل العرب أو قل الفلسطينيين عن أراضي 48 و هي كل أرض فلسطين و اللتي عليها الآن دولة إسرائيل و بقى العرب في جدال عقيم حول ترسيم حدود 67 و هي تساوي 40 % فقط من أرض فلسطين و قد تتوالى التنازلات فلا عودة للمهجرين الفلسطينيين و لا حق لهم في القدس و قد تتقلص الـ 40 % مستقبلاً أو تختفي
طبيعة الوضع على أرض الواقع تختلف بشكل جذري عن طبيعته على الكي بورد حيث أسجل هذا الموضوع ولكن .. أرى أن الدولة العبرية تعاني الغياب عن الوعي السياسي فلا ترى إلا تحت قدميها و تعتبر أن الوضع السياسي العالمي الحالي وضع مؤبد و هو المحال بعينه فعندما تفقد إسرائيل سندها الوحيد سواء بإنهياره أو بتخليه عنها لن تجد لليهود على الأراضي العربية ديارا .. و قد تتكرر مأساة الهولوكست المزعومة مرة أخرى و لكنها هذه المرة ستقضي على اليهود عن بكرة أبيهم
إسرائيل تقامر اليوم بمصيرها في الوجود غداً و تجعل من استمراريتها تحت ظلال السلام مع العرب ضرباً من المستحيل إذا ما استوحدت في هذا العالم و لا أستبعد أن تكون أوروباً و روسياً أول الطاعنين فيها
و في النهاية فإن السلام مع إسرائيل ليس إلا مجرد وسيلة للعيش فقط سواء للشعوب أو للرؤساء و الغد اللذي يحمل ضعف الأعداء ( و ليس قوتنا ) يحمل معه أيضاً نهاية قاتمة للوجود اليهودي في هذا العالم

الخميس، ديسمبر 07، 2006

السلام مع إسرائيل .. وسيلة أم غاية ؟ ..الجزء الأول

إسرائيل دولة يهودية معلنة عن أيديولوجيتها بكل وضوح و تتبني الفكرة الصهيونية كمرجع أساسي لسياساتها المستقبلية و تتلخص الفكرة الصهيونية في أن لليهود حقوقاً لابد من إسترجاعها في أراضي عربية كثيرة بداية من العراق ( بابل ) مسقط رأس أبو الأنبياء و جد النبي إسرائيل ( يعقوب عليه السلام ) و مروراً بأرض الحجاز ( المملكة العربية السعودية ) و مقام جد نبي الله إسرائيل ( مقام إبراهيم ) و كذلك فلسطين ( أرض كنعان ) و اللتي استوطنها نبي الله داوود و من بعده ابنه سليمان حيث بنى الهيكل ، و كذلك اليمن حيث كانت مملكة سبأ و اللتي أسلمت على يد نبي الله سليمان ثم مصر حيث أقام نبي الله يوسف و من بعده نبي الله موسى و سيناء حيث ابتلى الله قوم إسرائيل بالتيه و انتهاءاً ببيت لحم مرة أخرى حيث ميلاد المسيح عليه و على نبينا الصلاة و السلام .. و تتبني الصهيونية فكرة إسترجاع هذه الأراضي بإعتبارها مجتمعة أرض الميعاد حيث تقول التوراة أن الله عز و جل قد وعد بني إسرائيل بظهور ( الماشيح ) المسيح في آخر الزمان و جمع شتاتهم في الأراضي اللتي عاشوا عليها و مركزها يقع بجوار جبل صهيون في القدس حيث الهيكل اللذي بناه نبي الله سليمان
و لكن اليهود يسقطون من حسابهم أرض الحجاز إما مؤقتاً حيث لا قبل لهم بمواجهة المسلمين و إما نهائياً فقد يكونوا قد تنازلوا عن هذه البقعة الهامة بالنسبة لهم بسبب يأسهم من الحصول عليها بطبيعة الحال
و قد ولدت الصهيونية كفكرة في عام 1897 متأثرة بظهور شعور الكراهية الأوروبي للجنس السامي حيث كان اليهود في أوروبا يعتاشون من الأنشطة الربوية و تمويل المشروعات و رهن العقارات و غيرها من المجالات المالية فيما كان القليل النادر منهم من أصحاب الحرف أو المتعلمين فقد كان حاخاماتهم يحرمون التعلم بغير التوراة
و لكن شعور الكراهية الأوروبي لليهود لم يثمر تهجيرهم إلى بقعة بعينها من العالم فقد كانت المستعمرات البريطانية لا تغرب عنه الشمس و في ذات الوقت كانت أرض فلسطين مستعمرة عثمانية أو قل أرض عثمانية و هكذا اتجه الفكر الأوروبي الهادف إلى التخلص من اليهود إلى مناطق مثل الأرجنتين كونها مستعمرة بريطانية أو كينيا في أفريقيا و لكن تيودور هرتزل الصحفي النمساوي اليهودي و الناشط الصهيوني و الداعي الأول لإقامة دولة يهودية على أرضهم التاريخية أبى إلا أن تكون الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين و رغم رفض الإمبراطورية العثمانية لهذه الهجرة إلا أن حلول عام 1918 حيث تفككت الإمبراطورية العثمانية كان كفيلاً بتغيير أطراف المعادلة فقد وقعت فلسطين تحت الإنتداب البريطاني و أصبحت مجالاً خصباً لتهجير اليهود إليها و رغم إعتراض العرب الفلسطينيين على الهجرة المنظمة من يهود أوروبا إلى أرض فلسطين إلا أن اليهود استطاعوا تكوين الصندوق القومي اليهودي في عام 1901 ثم البنك الأنجلو فلسطيني في عام 1903 و بالطبع فقد تكونت ميليشيات يهودية مسلحة على أرض فلسطين من أجل ردع العرب عن مهاجمة المستوطنين الجدد .. و لم تلبث أن أعلنت دولة إسرائيل بعدما أعلنت القوات البريطانية نيتها الإنسحاب من فلسطين في العام 1947 وفي 29 نوفمبر من نفس العام، أعلن مجلس الأمن عن تقسيمه لفلسطين لتصبح فلسطين دولتين، الأولى عربية والثانية يهودية و قد اندلع حينئذٍ القتال بين العرب و اليهود و لكن القادة اليهود لم يتركوا الفرصة ليعلنوا قيام دولة إسرائيل في 14 مايو 1948 ثم أخذت الميليشيات اليهودية في تجميع أطرافها لتكون في النهاية قوة دفاع إسرائيل
و قد كان للرئيس الأمريكي هاري ترومان الفضل الأكبر في الضغط على عصبة الأمم ( الأمم المتحدة ) للإعتراف بدولة إسرائيل
و هكذا لم يخل الطريق إلى قيام الدولة اليهودية من أمرين :
أولهما الدماء و العداء و القتل و الحروب و سفك دماء العرب ، و ثانيهما المساندة و الدعم من دولة كبرى حيث لا يمكن لإسرائيل أو لليهود العيش دون الإعتماد على دولة عظمى تحقق لها ما تعجز عن تحقيقه بنفسها و بالطبع لم تتعاطف بريطانيا أو فرنسا مع اليهود إلا للتخلص منهم و لكن و للأسف فإن التعاطف الأمريكي مع اليهود لم يكن لنفس السبب بل كان لأسباب مرتبطة بالعقيدة المسيحية و اليهودية فعودة المسيح أمر مشترك بينهما ( و بيننا أيضاً ) و لكن العامل المشترك بينهما هو أرض الميعاد
و للحديث بقية ........

الجمعة، ديسمبر 01، 2006

السلفية مرة أخرى

مرة أخرى و بالتأكيد ليست أخيرة أفاجأ بفتوى تقطر سلفية لا عقلانية و لا منطقية تحاكم كل أهل الأرض و تحكم عليهم بجور و ظلم رهيبين دون أدنى إعتبار لسماحة ديننا الحنيف .. و اليوم حتى لا أحاكم كما حوكمت في السابق على إيرادي مجموعة عناوين لفتاوى عجيبة ، جئت لكل قاريء بمصدر الفتوى في وصلة تهون علي و على كل من يجد في كلماتي ظلماً للفتوى و المفتي و منهجه أن يراجعها من مصدرها الأصلي ..
عنوان الفتوى يقول : ترك الصلاة يبطل عقد النكاح
و بناءاً عليه قطع الشيخ عبد العزيز بن باز بأن أي زوجين أحدهما لا يصلي فعقد نكاحهما باطل !
يترتب على هذا أن معاشرتهما لبعضهما البعض تصبح زنا و يترتب أيضاً أن أبنائهما هم أبناء زنا .. بيد أن الشيخ بن باز لم يذكر تلك النتائج في فتواه و لكنها نتائج طبيعية و منطقية لبطلان عقد النكاح
إذن فغالبيتنا أبناء زنا و هكذا تسري علينا أحكام أبناء الزنا حيث ولد الزنا يلحق أمه و لا يتبع أباه كما أنه لا يرث .. فليذهب كل من كان أحد والديه تاركاً للصلاة إلى مصلحة الأحوال المدنية و يقول لهم أن إسم والده قد تغير ! و عندما يسألوه عن إسمه الجديد فليقل .. لا أدري !!!!! .. و عليه أيضاً أن يتنازل عن ميراثه للفقراء .. و لكنهم قد يكونوا أيضاً من أبناء الزنا .. فليتنازل إذن عن ميراثه للا أحد !!!!
بالإضافة إلى ذلك فيمكنني أن أنكح زوجة جاري اللذي لا يصلي باعتبار أنها مكرهة على الزنا أو لا تعلم و بأخذ فتوى الشيخ بن باز بعين الإعتبار فأذهب متوسطاً كوكبة من أهلي إلى أهل زوجة جاري و أطلبها للزواج .. و أعتقد حينها أنني سأتعلم علامة جسدية لن أبرأ منها ما بقى لي من العمر ، أو ستنتهي بي الليلة نزيلاً معززاً مكرماً في
إحدى دور الصحة العقلية أو النفسية
و لا أدري كيف توصل العالم الجليل لهذه النتائج في حين أن المسلم يحل له الزواج من كتابية و هي بداهة لا تصلي بل لا تقيم أي شعيرة أو عبادة من عباداتنا فكيف بنا الموازنة بين فتوى ابن باز و بين ما نعلمه من ديننا ؟
عجباً ثم عجباً ثم عجباً لهؤلاء العلماء العظام اللذين يتركون أهم فريضة إسلامية و هي التفكير و يلقون بأحوال مجتمعاتهم إلى القمامة و يفتون على ظواهر النصوص كأجهزة الحاسب الآلي .. بل هم حتى لا يعتبرون بنصوص أخرى لا بظاهرها و لا بفحواها فقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن التوحيد كفيل بإدخال صاحبه الجنة .. فليتفضل الشيخ بن باز بأخذ ظاهر هذا الحديث كما يأخذ بظاهر كل الأحاديث اللتي يستشهد بها في فتاويه ..
لا أدري إلى إين يقودونا علماء السلفية و لا أجد في إدعائهم بأنهم يتبعون منهاج السلف نصياً ثم أمل .. فقد كان السلف يجتهدون و يفكرون و يستنبطون من فحوى الآيات و معاني الأحاديث فلماذا لا ينتهج علماء السلف الحاليين نفس النهج فهم يدعون أنهم تابعون لنهج السلف الصالح و الصحابة الكرام رضوان الله عليهم جميعاً .. فأين عقولهم من هذا النهج اللذي يزعمون
الحقيقة أنهم لا يعتبرون أنفسهم أهلاً للإجتهاد بجوار أشخاص الصحابة و التابعين فهم على وجه العموم ناقلين لأقوال الصحابة و التابعين إذا تعذر وجود نص قرآني أو حديث صحيح للدلالة على إفتاءاتهم .. هم إذن معتقدون أن عقولهم و علمهم أقل من أن يجتهدوا و يستنبطوا رغم عدم صحة ذلك منطقياً و عقلياً و نقلياً لأن ضرورة وجود علماء شرعيين تنفي ضرورة إتباع ظواهر النصوص فإذا كنا سنكتفي بما ورد من فقه و آراء من عصور الصحابة و التابعين فلسنا في حاجة إلى عالم فقيه بل نحن حينئذٍ في حاجة لعالم مؤرخ و ما لنا حينها في الفقه من ضالة ..
هذا بالإضافة إلى أن العصور تتغير و المجتمعات تنضج و ترتقي و على سبيل المثال فإن التقدم التكنولوجي اللذي حدث في القرن الأخير يساوي كل تقدم حضارات التاريخ القديمة مجتمعة و حيث أن الإسلام لا يتغير و لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه فقد وجب التجديد .. التجديد و ليس الإبتداع و هناك فرق فتحديات العصر الحالي و مؤثراته تفتقر إلى مفاهيم تقريبية للأحكام الفقهية الصحيحة دون تفريط أو إفراط فكلاهما خطأ ..
لا يمكننا إذن أن ننحو في عصر الطاقة النووية ما كان ينحوه فقهاء الدولة الفاطمية في التعامل و معالجة قضايا المجتمع و حاجاته و الأدلة ليست ببعيدة كزواج المسيار مثلاً حيث أصبح زواج المتعة هدفاً في المجتمع الفقهي السني و لكن العناد و الكبر و النعرة القومية و كذلك خوف التداعيات مؤثرات قوية في إبتكار مسميات جديدة فقط لمخالفة الآخر في المعنى رغم التطابق الشبه كلي في الحكم و الحكمة
كما أن إحترام العقل و وضعه في نصابه الصحيح دون تغليبه على حكمة الخالق جل و علا و دون إلغائه كلياً بالخشية المريضة من الوقوع في الخطأ و المحظور و هو الإبتداع واجب و فريضة حتى لا يتحول المسلمون إلى أطفال رضع يلحقون العلماء في كل شاردة و واردة دون أدنى إعتبار للعقل صاحب الفطرة السليمة و المنهج الصحيح .. و حين قال صلى الله عليه و سلم لوابصة " استفت قلبك : البر ما اطمأنت إليه النفس ، واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك " كان لهذه المقولة حكمة و أرساء لمبدأ شرعي هام و هو الإعتداد بسلامة الفطرة و طهارة القلب إذا لم يثبت العكس ، و حتى إذا ثبت العكس فكل ما قـُصد به إعوجاج في سلامة الفطرة وُصف بالمرض " فيطمع اللذي في قلبه مرض " و هو وصف رحيم من أرحم الراحمين لأن المرض يُعالج و يبرأ منه المريض بإذن الله و ليس معنى المرض كمعنى " ختم الله على قلوبهم " فشتان بين مريض و بين صاحب عاهة مستديمة لذا فإن وجوب إحترام العقل و قياسه و نتاجه فرض عين حتى أن ذهاب العقل يوجب رفع القلم و يعطل التكليف
فأين علماء السلفية من كل هذا و أين إحترام العقل لديهم و تأطير قياساته و نتاجه .. بل أين هم من الإجتهاد العقلي و ليس النقلي ؟

الاثنين، أكتوبر 30، 2006

ثقافة الحرمان و ثقافة التحرش

قرأت على أحد المدونات خبر عن تحرش جنسي جماعي حدث في وسط البلد أيام عيد الفطر و أدى هذا التحرش الجماعي لهتك عرض عدة فتيات منهن المحجبات و قيل منقبات و منهن المتبرجات
و بغض النظر عن حقيقة الخبر من كذبه فهو مناسب جداً للتطرق لعدة موضوعات إذا تناولنا التعليقات عليه مع فحواه
أولاً الجوع الجنسي للشعب المصري بصفة خاصة و الشعب العربي و الشرقي و الإسلامي بصفة عامة حقيقة لا ينكرها إلا أعمى أو منافق
و ثانياً التحرش الجنسي في مصر يحدث في كل مكان بدءاً من الشركات الخاصة و العامة و مروراً بالمواصلات العامة و انتهاءاً بالميادين و الشوارع المزدحمة و خاصة أيام المواسم و الموالد و اللتي يزداد فيها الزحام بشكل كبير
و ثالثاً التحليلات و التعليقات على الخبر كما قرأتها - و بغض النظر عن صحة الخبر من عدمها - تشي بمدى الجهل و التجهيل اللذي ألم بنا كشعب
و لنبدأ بثالثاً فذاكرتي حُبلى بالكثير من الملاحظات و أوشك مخاضها
فئة كذبت الخبر منكرة أن " مصرنا الحبيبة " صاحبة المبادئ و القيم و النخوة و الرجولة يمكن أن يحدث بها هذا و هذه الفئة تابعة لهؤلاء اللذين يتقنون مبدأ " كله تمام " و يعيشون على أطلال الحِكم و المواعظ الكلاسيكية و الحلول سابقة التجهيز و اللتي يتجاهلون تناسبها من عدمه مع المشكلة شكلاً و حجماً و موضوعاً كما أنهم متصلبون و متحجرون فالحوار من أجل الحلول يعد بالنسبة لهم جدالاً إن لم يكن مضيعة للوقت
فئة صدقت الخبر و قالت أن هناك " شئ غامض " يجري التعتيم عليه بالسماح بمثل هذه الأحداث أن تقع دون وجود قوة أمنية و هؤلاء من أنصار نظرية المؤامرة بشكل صارخ فدائماً هناك ما يحاك في الظلام من أجل تقويض و هدم الدين أو الوطن و دائماً هناك عدو خفي يتربص بنا و دائماً نحن ضحايا و دائماً مهيضي الجناح و دائماً نتناسى " خيبتنا التقيلة " و نعزو فشلنا إلى الأرواح الشريرة المعادية و قوى الظلام المنتشرة تحت الأرض و اللوبي الصهيوني و دول البلقان و مجلس الأمن و المتانة !
فئة ألقت بلائمتها على قوى الأمن و الشرطة و عدم تواجدها الكافي في موقع الحدث و هؤلاء بالطبع أصحاب إتجاه تسييس الوقائع لخدمة قضيتهم فدائماً الحكومة متواطئة ( مع من ؟ .. ألله أعلم ) و دائماً الحكومة لا تلتفت إلى قضايا الشعب الحقيقية بل و تساعد على تكريسها و في النهاية الحكومة فاشلة و غبية و يجب القضاء عليها .. هذه قضيتهم الخالدة و هدفهم الأسمى
فئة ألقت باللوم على الحكم و الحكومة و الاتجاهات العلمانية للبلد و هؤلاء هم أصحاب الدين اللذي يظهر عند الضرورة أو عند الإحراج - و لا أستبعد مطلقاً أن يكون بعضهم أحد المتحرشين - و هو دين ضحل لا عمق له مجرد مجموعة من المسلمات و الأحكام الشائعة الإنتشار يحفظونها عن ظهر قلب بجانب بعض المصطلحات الضرورية لتزيين الحوار و التدليل على عمق الثقافة بينما هم في حقيقتهم مشاركين و بقوة في تمهيد المنحدر الأخلاقي اللذي أوشكنا على بلوغ نهايته
فئة تسائلت أين ذهب الدين و هذه الفئة هي أخطر الفئات على إطلاقها فهم أصحاب الفكر الجامد الصلب اللذي يتجاهل تحديات العصر و مستحدثاته و يعود بكل آلامه إلى نقص الدين و عدم إتباع صحيحه في حين أن الدين المعاصر - إذا جاز التعبير - هو نسخة كربونية من فقه عصور غابرة لم يداعب خيالها يوماً أقل القليل من مستحدثات عصرنا و مقوماته .. و هذا العصر اللذي نرفل في تقنياته و حداثته يفتقر بشدة لفقهاء معاصرين يتبنون فقه الواقع كما يجب أن يكون كما أنه يفتقد إلى لغة الحوار الراقية بين العلماء و بعضهم البعض مما يدل على نقص حاد في الجانب العلمي الديني لفقه التعامل على الأقل .. هذه الفئة تتوق لعصر من عصور الخلافة الإسلامية حيث الحرملك و السلاملك و نساء لا تخطو خارج حدود عتبات غرفهن و تناسوا أو تعاموا عن عالم يضج بكل ما هو جديد و حديث و غضوا الطرف عن علوم إنسانية و مادية غزت العقول و أوسعت الآفاق و نمّت الثقافات و باتت نساء اليوم أكثر حجية - إن لم يكن أكثر علماً - من رجاله
فئة ألقت اللوم على المرأة و تبرجها و عريها و أنا أتفق جزئياً مع هذه الفئة و إن كانت الحلول المطروحة في هذا الصدد شبه مستحيلة و أقلها غير مقبول
فئة ألقت اللوم على الرجال و تبجحهم و تنازلهم عن أبسط مقومات الرجولة كما نعرفها و أنا أختلف معهم - معظمهن نساء - فهؤلاء يريدون من إنسان أن يتنازل عن إنسانيته و حاجاته الحيوية ليثبت أنه رجل .. الغريزة حقيقة و الشهوة واقع و ندائها جائز و تأججها يحدث و وحشيتها ليست ببعيدة عن عالم اليوم مع وضع كل الظروف المحيطة الدافعة في الإعتبار
فئة قالت أن ما يحدث هو مخطط صهيوني للقضاء على مستقبل البلد المتمثل في شبابه و كوادره الشابة و هم فئة لا أرى في التعقيب على آرائهم ثم فائدة فالخلط واضح للغاية في رؤاهم
فئة تنبأت أن ما حدث كان بتدبير محكم للوبي مسيحي و ميليشيات صليبية داخلية لتشويه صورة الإسلام و هم بالطبع أنصار جدد لنظرية المؤامرة و جدتهم تكمن في تحويل اتجاه أصابع الإتهام من أقصى الخارج لعمق الداخل و هم متسببون مستقبليون في مصائب قومية
فئة قالت أن البطالة و الفراغ و الغيرة من شباب ثراؤه فاحش تدفع بالشباب لليأس من غده بجانب الأزمة الإقتصادية الطاحنة اللتي " تمر " بها مصر و قد يكون الفراغ و الغيرة و التمني موجودون و بلا جدال فإن البطالة واقع و لكن ما حدث ليس ناتج لهذه الأسباب فقط بل هناك المزيد
و عندما تدخل بعض الإخوان العرب بإنتقاد مصر و شعبها انقلب الناقد إلى مدافع و الجلاد إلى حليف و تم القضاء على هذا الدخيل اللذي يتناول مصر و سمعتها بالقدح و الذم .. و لا أجد ثم تعليق مناسب
فئة أخيرة ( مصدقين أو مكذبين ) أرادوا تهدئة الموقف و كف القوم عن القدح في وطننا " الحبيب " على الملأ و اكتفوا بـ " حسبنا الله و نعم الوكيل " و هكذا تقريباً كانت جل التعليقات إتجاهاً لا لفظاً و هم الفئة المستسلمة ( الغالبية العظمى ) و اللذين تسببوا و يتسببوا في الدمار التدريجي للإرادة و العزيمة و القضاء على الهمة و الإصرار
و نأتي لثانياً قبل أولاً فالتحرش الجنسي في مصر يحدث في كل مكان بدءاً من الشركات الخاصة و العامة و مروراً بالمواصلات العامة و الخاصة و انتهاءاً بالميادين و الشوارع المزدحمة و خاصة أيام المواسم و الموالد و اللتي يزداد فيها الزحام بشكل كبير هذا بخلاف الشوارع و الأماكن الهادئة أو المظلمة .. إلخ
بإختصار شديد فإن التحرش الجنسي يحدث في مصر من أقصاها إلى أقصاها و لا يمكنني بحال دفن رأسي في الرمال مدعياً أنها إشاعات مغرضة لا يمكن أن تحدث في بلدي الحبيب .. بل إن حبي لبلدي يدفعني دفعاً لنبش عيوبه و إظهارها للشمس لعلها تجفف نداها و تقضي على جراثيمها ... يجب علينا جميعاً كمصريين الإعتراف بأن مصر ككل بلاد العالم تشكو و تئن من مشاكل إقليمية تفرضها ثقافتها الفريدة و موقعها الدولي و العربي و موروثاتها الممتزجة بكل ثقافات شعوبها الغابرة و عاداتهم الجاهلية و الدينية على حد سواء
و للتحرش الجنسي المتفشي في بلادي - بجانب الشذوذ - أسباب لا يتجاهلها إلا أعمى أو ميت منذ قرون و قد عاد لتوه للحياة و أهم هذه الأسباب إن لم يكن أوحدها هو ( أولاً ) الجوع الجنسي أو الشبق أو الشياع أو ما إلى ذلك من مسميات ..
الزواج في الثقافات العربية يعني الإستقرار و تكوين أسرة و تحمل المسئولية بينما الجنس المجرد في الثقافات العربية هو الخطيئة و الذنب و الكبيرة و إنعدام الحياء و السفالة و الإنحطاط و ما أعنيه بالجنس المجرد هنا ليس بالضرورة ممارسته بل مجرد الحديث عنه أو التفكير فيه
و في العادة لا يمكن القول أن الجنس هو هدف أو الهدف من الزواج ( فقط بسبب الحياء ) بينما الحقيقة هي أن الجنس هدف من أهداف الزواج إن لم يكن هو الهدف من الزواج ( من لم يستطع فعليه بالصوم ) و الصوم هنا على من لم يستطع الزواج مما يعني أن الزواج هنا هو الجنس أو من أجل الجنس أو من أهم أهدافه ممارسة الجنس و هو هدف بلا شك نبيل لأن الشهوات بالنسبة للبشر كأجنحة الطائرة المحلقة و اللتي تتسبب في إستقرارها و عدم إضطرابها و الجنس بالنسبة للمجتمع هو صمام أمان يمنع الإنفلات و الفاحشة كالزنا و اختلاط الأنساب
كما أن الجنس ليس فقط جالباً للمتعة بل هو طريق التناسل و باب الأبوة و الأمومة بخلاف كونه مدراً للعطف و المودة بين الزوجين
بينما الجنس بهذه الأهمية و الدور المتعاظم في حياتنا إلا أن المجتمع يرفض مجرد التفكير فيه بل و يجرم الحديث عنه .. مجرد الحديث ............ و النتائج :
الجهل المدقع لدى الجنسين و التستر الشديد و التعتيم على أي حوار أو معلومة جنسية يتناقلها المراهقون و ليس مهماً صحتها أم خطأها كما أن الضرر الناتج عن خطأها ليس مهماً أيضاً
تحول العادة السرية ( نحن متفردون بوصفها السرية و الأسباب واضحة ) إلى عادة قومية أو وطنية
تحول ليلة الزفاف ( ليلة العمر ) إلى خطر داهم و كابوس مخيف يجب الإستعداد له بتناول ما يصل إلى اليد من مخدرات و منشطات و خمور .. حتى الفطرة اللتي من المفترض أنها ستقود تلك الليلة يتم تكذيبها مسبقاً بالمعلومات المغلوطة و الإضافات الحارة لقصص المتزوجون السابقون أو الممارسون
تحول الحياة الزوجية إلى ما يشبه الدوران في حلقة مفرغة فلا جديد نتيجة الزواج و لم يتغير شئ سوى إضافة إنسان جديد إلى مائدة الطعام
الحرمان الجنسي بعد الزواج و هو أخطر ما يمكن حدوثه في المجتمع لأنه يقضي على الهدف الأساسي من الزواج بل و يؤدي إلى ما يؤدي له عدم الزواج من أمراض إجتماعية و لا يمكن إغفال نتائجه من خيانات زوجية بالفعل أو بالفكر .. و يأتي الحرمان الجنسي نتيجة اعتبار الجنس خطيئة حتى بعد الزواج و حصره في مجرد الحصول على المتعة و السلام و غض النظر - جهلاً - عن حقيقة ما أوصى به الدين من مداعبة و ملاعبة و حوار مثير و غيرها من أمور توطد العلاقة الزوجية و التقارب الإنساني بين الزوجين
بمجرد الزواج يبدأ التفكير في الحمل و كيفية حدوثه و ما هي السبل الأكيدة للقضاء على معوقاته بينما الحصول على قسط من ممارسة الحقوق البشرية الشرعية بكافة أشكالها و النهل من كل منابع المتعة و التلذذ بها بعيداً عن حمل هموم الخلف و خلف الخلف لا يُلتفت إليها
لا أدعو لنشر الإباحية و العري و ثقافة البورنو من أجل تثقيف البشر و تعليمهم بل أدعو إلى منهج ديني علمي راقي للتعليم الجنسي و ثقافته .. أو على الأقل أدعو للغة تفاهم صريحة بين الزوجين ليحصل كل منهما على ما يريده و يشتهيه من الآخر فهذا يكرس التفاهم العميق بينهما و يقتل فرص الطلاق أو النفور أو الخيانة الزوجية في مهدها

الجمعة، أكتوبر 27، 2006

السلفية و سنينها ...

عندما يوقعك حظك التعس وسط مجموعة من السلفيين فأنت كافر لا محالة .. إذا كنت ترتدي ساعتك في يدك اليسرى
فأنت كافر فاليد اليسرى بها بؤرة الشر في هذا العالم و من الأفضل بترها حتى نستريح جميعاً .. إذا هممت بفتح فمك للرد على كلمة يقولونها فأنت مجادل .. إذا فكرت قليلاً في فتوى لأحد شيوخهم فأنت تحتقر العلماء اللذين قال عنهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ورثة الأنبياء .. إذا دعوتهم للتفكير فأنت علماني .. إذا ساندت حزب الله فأنت ضال .. إذا تكلمت عن حقيقة ما نراه في الطرقات من سفور و تبرج و وصفت منه شيئاً فأنت عاصي و لا تغض بصرك .. إذا قلت أنا أدخن فأنت مجاهر بالمعصية .. إذا رفضت نصيحة فأنت مخالف لقول الرسول " الدين النصيحة " .. إذا أردت أن تزيل بعض من الصدأ اللذي يعتلي عقولهم بمناقشة شئ علمي فأنت تكفر بالقرآن .. إذا أوردت آية و تفسيرها فأنت لا تفهم شيئاً لإنهم لديهم التفسيرات الصحيحة و كل ما دونها كلام فارغ ، أنت دائماً على خطأ و هم مخلدون في الصواب .. أنت دائماً مجادل و هم أصحاب كرامات .. أنت دائماً حمار و هم دائماً ملائكة .. أنت دائماً جاهل و عاصي و فاسق و فاسد و فاجر و علماني و كافر و ملحد و ضال و درزي و حبشي و بربري و إبن ستين كلب
و هم ملائكة مكرمين داخلين الجنة غصب عن عنين اللي خلفوا حضرتك و هم الفرقة الناجية و هم أهل السنة و هم اللي بيكفروا اللي مش عاجبهم و هم اللي بيمدحوا في اللي عاجبهم

شيوخهم من عينة بن تيمية و بن باز و بن العثيمين و الحويني و الألباني و الأسباني و البرتغالي .. كلهم لهم شطحات عجيبة إن دلت فإنها تدل على نقص ذاتي أو عقلي

مثلاً إبن تيمية ( شيخ الإسلام ) قال إن الجنة و النار فانيتين ! يعني ما فيش حاجة إسمها خلود لا في الجنة و لا في النار .. و قال كمان إن رب العزة تعالى له يد و قدم و وجه و غيرها مما نعرفه من أعضاء الإنسان

الحقيقة شيوخ الجزيرة العربية أصحاب محمد بن عبد الوهاب تأثروا به رغم أن عبد الوهاب كان عالم سلطة و مع الملك أيما قال .. إبن جبرين يحرم مساندة حزب الله و الدعاء له .. حتى الدعاء حرمه سيادته

إبن العثيمين يقول من هنأ مسيحي بعيد رأس السنة كمن زنا و شرب خمر و قتل .. حضرته إتخذ عند الرحمن عهداً أو أرسل إليه وحي إلهي و عرف هذه الحقائق الدامغة

علماء السلفية إخترعوا ما يسمى بـ " سد الذرائع " عشان يزيدوا من الكبت و القهر و الأصفاد على كاهل المسلمين و كل ما يفتون فيه و يفكرون فيه المرأة و جسدها و كأنهم مراهقين !

يبحثون عن كيفية القضاء على الشهوة و البراءة منها و من الأفضل إن كل راجل يقطعه و كل أنثى تسده و نرتاح كلنا و نعيش في تبات و نبات و ما نخلفش أي حاجة عشان الشهوة دي مصيبة كبيرة و لازم نولع في نفسنا بجاز أحمر لإننها بنشتهي النساء

رغم إن الشهوة هي غريزة في الإنسان كدليل على إنسانيته و ضعفه و حاجته للآخرين و قد تكون هي الدليل الوحيد على حاجة الإنسان لغيره و رغم أن الدين جاء لتهذيب الشهوة و وضعها في المكان الصحيح و ليس للقضاء عليها و كبتها و قتلها .. كما أن الدين جاء لراحة الإنسان و جعل حياته أفضل من حياة الجاهلية و الهمجية و لم يأت لتحويل البشر إلى معقدين و مكبوتين و سيكوباتيين

العلماء إياهم بأه شايفين غير كده .. إزاي الإنسان يرتاح ؟ ده حتى يبقى حرام .. لازم نقرف فيه و نضيق عليه حياته و نسد أي منفذ للهواء النقي

و تيجي تسمع لهم تلاقي الجهل هينط من عينيهم و يطلعلك لسانه .. أحدهم يرسل سؤال للعلماء فيقول : هل بلع الريق في رمضان يفطر الصائم ؟ و الآخر يسأل هل إصلاح الأجهزة اللتي صنعت في بلاد الكفر حرام ؟ و الثالث يسأل عن قص الأظافر .. أحدهم لا يسمح لزوجته بدخول الحمام دون النقاب حتى لا يراها الشياطين ..

حاول تتجرأ و تختلف معهم .. يبقى يومك أسود من قرن الخروب .. انت علماني و لا ديني و ما بتفهمش و حمار كبير و روح يا بابا إتعلم دينك و بعدين تعالى إتكلم

هما شايفين اننا لا نعرف صحيح الدين و الغريب ان هما كمان لا يعرفوا صحيح الدين .. يبدو أن الدين هو مجموعة من الألغاز و الأحاجي لا يفهمها سوى شيوخهم و علمائهم .. نفس بداية خدعة صكوك الغفران في أوروبا القرون الوسطى

الكارثة الأكبر أنهم يؤثروا بشكل كبير في عقول الشباب الصغير و يجبرونهم على إتباعهم بنعومة مداخلهم و بحلاوة لسانهم و يطلبون منهم الجهاد و هو طبعاً أساس الإسلام و الجهاد اليومين دول يختلف عن أي جهاد تاني لإنك في مصر و الحاكم في نظرهم كافر و السلطة التنفيذية اللي هي بتحمي الحاكم كفرة بالتبعية و طبعاً الجهاد هنا واضح و هو إنك تقتل الكافر عشان تخلصنا من قرفه و نرجع الخلافة الإسلامية و نبقى ميت فل و أربعتاشر

متخيلين إن الخلافة هترجع .. و عايزين يرجعوا الأندلس و يرجعوا الهند و السند و بلاد تركب الأفيال

أنا اللي جذب إنتباهي في فكرهم هو تركيزهم على المرأة بشكل ممل جداً و صعب و تركيزهم على الشهوة الجنسية اللي بيتمنوا إنها تختفي من الجنس البشري عشان يناموا مرتاحين .. لكن غبائهم واضح هنا لأن الشهوة الجنسية إذا اختفت من الجنس البشري .. مش هيلاقوا حاجة يطلعوا عين الناس بيها .. و هيتقاعدوا أو يمكن يتحولوا لشهوة الأكل و يخترعوا سد ذرائع فيها هي كمان و احتمال يحرموا الخيار على النساء ( حتى لا يوقظ الفتنة بعد ما قتلوها ) و يحرموا القصب على الرجال عشان الشقوق اللي بتكون فيه و ممكن تثير الراجل

الخميس، أكتوبر 26، 2006

أحبك في الله يا أخي في الله



من سوء طالع من سيقرأ هذه المدونة أن يرميه حظه العاثر في طريق كلماتي و قد يكون مثلي ( قرفان ) من كل شئ و يريد التغيير حتى لو كان التغيير هو الموت

بما أن المدونات لا رقابة عليها فيمكنني الكلام و الحديث و اللغو و الجدال و اللغط و الصراخ و العويل و البكاء و لكن وحدي

أولى الإنتقادات اللتي أتمنى قولها على الملأ هو حمى النفاق اللتي أصابت الأمة العربية و الإسلامية سواء على المنتديات أو في الواقع .. الغش و الخداع و الوقيعة و الإنتهازية و التسلق و الطفيلية و النفاق هم السمات الغالبة على عموم بل على كل أفراد الشعوب الإسلامية حالياً و تجد كلمات مثل " أخي الكريم " و " إني أحبك في الله " و مثل هذه الجمل البراقة الرنانة تملأ صفحات المنتديات بينما المصالح و العلاقات الجنسية السافلة و الآثمة هي الوضع الغالب

في مصر و في كل بلد يعاني من تدني مستوى المعيشة يتحول الفقير إلى حيوان فهو لا يفكر و لا يبدع و لا يقوم بأي نشاط إنساني راقي بل ما يفعله هو اللهاث وراء لقمة العيش إذا كان رب أسرة أو اللهاث وراء ما بين سيقان و أكتاف الإناث إذا كان غير متزوج و يتم يومه بالأكل و النوم ... و لا يمارس ثم نشاط واحد يدل على أنه أرقى من الكلب !

نعود إلى " إخوتي في الله " القراء الكرام و إن كنت أتوقع ألا يقرأ مدونتي سوى صاحبها فقط و لكن لنأمل

الإخوة في الله ليست مجرد قولاً ليناً و لا هي أمراً هيناً حتى نطلقها بمناسبة و بدون مناسبة كما أننا يجب علينا أن نسمي الأشياء بمسمياتها و كذلك العلاقات يجب أن تتضح فيكون العدو عدواً و الصديق صديقاً أما الزميل - و ما أكثرهم - فيكون زميلاً و لا داعي للنفاق و الرياء و اللعب بكل الأوتار

لا أجد ما أقوله أكثر من ذلك الآن